عبدالله الغنام

abdullaghannam@

انطلق معرض الرياض الدولي للكتاب من 29 سبتمبر إلى 8 أكتوبر 2022، والذي كان له حظ وافر من الزخم الإعلامي، وهو يستحق ذلك؛ لأن الكتاب سيظل دائمًا عنوانًا للفكر والأدب، والعلوم والثقافة بوجهٍ عام، وقد اشتمل المعرض على عدة برامج وفعاليات وورش عمل، ولقاءات وندوات أدبية وشعرية. وجاء الشعار لهذه السنة (فصول الثقافة).

ولعل الانطباع العام هو ازدياد الإقبال على المعرض مقارنة بالسنوات السابقة، وهذا يدل على أنه لا تزال الكتب الورقية لها محبُّوها وعُشّاقها، وهي أيضًا صامدة أمام الكتب الرقمية، وأمام الوسائل والتطبيقات العديدة التي تعجُّ بها الأجهزة والهواتف الذكية. ولا أعتقد أن الكتب الورقية سوف تختفي في الزمن القريب، بل هي باقية لفترة أطول، فقد بقيت الإذاعة حتى بعد ظهور التليفزيون، وحتى مع انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي المتعددة.

الاهتمام الفعلي بالكتاب هو طريق إلى التقدم الفكري والثقافي بشكل مباشر، وهو الجسر الذي يربط بين الحضارات المختلفة. وكل العلوم والثقافة والأدب تناقلتها الأجيال عبر الكتاب. وابن حزم قد قال: ولولا الكُتب لضاعت العلوم ولم توجد. والجاحظ يقول: ولولا الحِكَم المحفوظة، والكتب المدوّنة، لبطل أكثر العلم، ولغلب سلطان النسيان سلطان الذكر.

إن الحضارة والكتاب يسيران معًا. ويدل على ارتباط بعضهما ببعض أن الحضارة الإسلامية بلغت أوجّها علميًّا وفكريًّا في عهد الخليفة الرشيد والمأمون، حيث كانت هناك دار للكتب تسمى (بيت الحكمة)، والذي ضمّ واستقطب كل أنواع الكتب على مختلف التوجهات الفكرية والفلسفية والثقافية، والعلوم الطبيعية. وكانت الكتب تُجلب من أصقاع الأرض، وتُدفع فيها مبالغ طائلة من أجل اقتنائها، ثم ترجمتها إلى العربية.

ولعلي أحدثكم قليلًا عن الغرائب في باب حب الكتب واقتنائها. فقد ذكر الذهبي في سِيَر أعلام النبلاء أن أحدهم تزوّج امرأة مات بعلها، وكانت عنده كتب الشافعي، ولم يتزوج بها إلا للكتب!.

ومن الطرائف في هذا موضوع (الكتب والأزواج) فقد نُقل عن الكاتب الشهير إبراهيم المازني (الصديق المقرَّب جدًا للعقاد) أنه في صباحية زواجه اختفى فجأة، وبحثوا عنه في البيت فلم يجدوه، فقالت أمه ضاحكة: ابحثوا عنه في المكتبة! فوجدوه بين الكتب منغمسًا في القراءة، فقالت حماته (أُم زوجته): يا نهار أسود! هل هذا وقت كتب وكلام فارغ؟!.... مسكينة ابنتي وقعت وكان ما كان!!

بل بلغ عشق بعضهم للكتب أن باع بيته! فقد نُقِل عن ابن النجار: أنه اشترى يومًا كتبًا بخمسمائة دينار، ولم يكن عنده شيء، فاستمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره، فبلغت خمسمائة دينار، فنقد صاحبها، وباعها بخمسمائة دينار، ووفّى ثمن الكتب.

ولابد من الإشارة إلى أن حب القراءة والكتب سيؤدي حتمًا إلى نوع من العُزلة أو ربما قلة الاجتماعات واللقاءات بالناس، بل إن البعض قد يبدّل كثرة الأصحاب بالكتب، وأمير الشعراء أحمد شوقي قال: أنا مَن بدَّل بالكتب الصحابا.. لم أَجِد لي وافيًا إلا الكتابا.

والشيخ الأديب علي الطنطاوي يقول: «ولقد جرَّبت اللذائذ كلها، فما وجدت أمتع من الخلوة بكتاب، وإذا كان للناس ميول، وكانت لهم رغبات، فإن الميل إلى المطالعة والرغبة فيها أفضلها». ويؤكد على معنى لذة العزلة مع الكتاب ما قاله ابن الجوزي: «وليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه، وتحادث سطور كتبك، وتجري في حلبات فكرك».

والشيء بالشيء يُذكر، فلا يفوتني من هذا المنبر أن أدعو أن يكون للمنطقة الشرقية معرض للكتاب سنوي (في مدينة الدمام أو الخبر على سبيل المثال)، ففيها كثافة سكانية، وكذلك قرب موقعها من دول الخليج سيساعد على نجاح الفكرة والإقبال الكثيف على المعرض.