د. عبدالله القرني

تُعد صناعة الطيران من أهم الصناعات في الوقت الحالي نتيجة للدور الاقتصادي والاجتماعي الكبير، الذي تلعبه هذه الصناعة، بالإضافة إلى تأثيرها على العديد من القطاعات الأخرى كقطاعات السياحة والتجارة والخدمات اللوجيستية والنقل بشقيه المدني والعسكري، والمتتبع لقصص النجاح التنموية للعديد من الدول المتقدمة يتضح له الدور البارز لهذه الصناعة فيما تم تحقيقه من منجزات وقفزات تنموية. وتشير الدراسات والإحصائيات إلى أن حوالي 40 % من البضائع والسلع تنقل سنوياً عن طريق الجو، وكذلك أكثر من 60 % من السياح يتنقلون بين جهاتهم السياحية جواً. لذا تولي العديد من الدول اهتماماً كبيراً بهذه الصناعة وتعمل على تطوير البنية التحتية لها وضخ الاستثمارات فيها، الذي أدى بدوره إلى توليد أكثر من 65 مليون فرصة عمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في القطاعات المساندة لهذه الصناعة، وأصبح هذا الاهتمام مستهدفاً أممياً، فقد أكدت تقارير الأمم المتحدة أن هذه الصناعة تعتبر محركاً رئيسياً في تنفيذ خطتها للتنمية المستدامة 2030.

تماشياً مع هذه الأهمية والتأثير الكبير، فقد شهدت صناعة الطيران تطوراً كبيراً من الناحية الهندسية (الفنية) عبر الزمن، وذلك بغرض تحقيق الفائدة الكبرى من الوظيفية الرئيسية، التي من أجلها وجدت هذه الصناعة بكل كفاءة وفعالية. فقد بدأت علاقة الإنسان مع الطيران منذ نهايات القرن الثامن عشر الميلادي عندما صنع المخترعان الفرنسيان مونتجولفير منطاداً يعتمد على تسخين الهواء، وقد تم استخدامه لأغراض النقل العسكري في مسافة لا تزيد على ثمانية كيلو مترات، ثم جاءت بعد ذلك إسهامات الإنجليزي جورج كايلي، الذي وضع الأسس والتصاميم الأولى لصناعة الطائرة الشراعية ذات الجناحين معتمدا في ذلك على قوانين ديناميكا الهواء، وكانت فتحاً مهماً في علم صناعة الطيران مما جعله يُلقب بـ (أبو الطيران).

بعد ذلك دخل العالم مرحلة مهمة في هذه الصناعة، فاستفاد الأخوان رايت مما تتوصل له كايلي من أبحاث وتصاميم فقاما في العام 1903م بعد عدد من المحاولات بصناعة أول طائرة ذات محرك يمكن أن تستقر في الهواء، وكذلك يمكن التحكم بها وتهبط بكل أمان، وكان ذلك حينه بمثابة قفزة كبيرة في صناعة الطيران.

وقد شهد منتصف القرن الماضي حقيقة التطور الثوري لهذه الصناعة من خلال صناعة الطائرات النفاثة ذات المواصفات الهندسية المتفردة في جميع أجزائها، فعلى سبيل المثال تطورت محركات الطائرات حتى أصبحت تعمل في بيئات حرارة وضغط مرتفعة جداً بفضل التعديلات الجوهرية في تصميم تربينات هذه الطائرات واستخدام مواد متقدمة تتحمل هذه الارتفاعات الكبيرة بفضل التقدم التكنولوجي في علم وهندسة المواد، وشمل التطور أيضاً تغييراً في تصاميم الهياكل والأجنحة، الذي أدى إلى تطور سرعات وارتفاعات الطائرات ما جعلها تصل إلى 80 % من سرعة الصوت، والقائمة تطول بالعديد من الأمثلة على هذا التقدم الثوري كالطائرات بدون طيار أو ذاتية القيادة والأنظمة الإلكترونية للطيران وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وغيرها.

وفي الوقت الذي يتوقع أن يصل أعداد أساطيل الطائرات في العالم إلى أكثر من 36 ألف طائرة في العشر سنوات القادمة بمستويات إنفاق تقترب من 5 ترليونات دولار إلا أنه يظل الهاجس الأكبر للشركات المصنعة هو تحسين كفاءة استخدام الوقود وذلك من أجل تحقيق خفض تكاليف هذه الصناعة وتعزيز كفاءة الاستخدام، بالإضافة إلى المحافظة على البيئة من نواتج حرق الوقود التقليدي المستخدم حالياً، وفي هذا الصدد فإن الأبحاث الحالية تعمل على صناعة طائرة إلكترونية بالكامل تكون صديقة للبيئة بحيث تعمل بالطاقة الكهربائية الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة وتحافظ على انخفاض التكلفة والاستدامة في الوقت ذاته في ظل هذا النمو الكبير والمتزايد لهذه الصناعة.

البريد الإلكتروني:

Eng_me_amg@yahoo.com