hanih@iau.edu.sa
أعز مكان للفتى سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتاب
اختتم مطلع هذا الأسبوع المعرض الدولي للكتاب بالرياض لهذا العام. والحديث عن الكتاب حديث ذو شجون. الكتاب تاريخ والتاريخ كتاب. وقل في الكتاب ما شئت. فنحن عندما نطرق أبواب المعرفة في أي حقل إنما نفعل ذلك بقراءة الكتاب. الكتاب سجل الحضارات ووثيقة التاريخ وخزان الأدب وراوي السير. الكتاب رفيق السفر، وزاد طالب العلم، وجليس المرء، تمامًا كما وصفه شاعر العربية الأكبر.
قبل الحديث عن الكتاب، لعله من المناسب الحديث عن مكان عرض الكتاب. وكما يقول المَثل فإن أهل مكة أدرى بشعابها. غير أن نقل مكان المعرض من مقره الأصلي بمركز المعارض والمؤتمرات إلى واجهة الرياض قد أحدث إرباكًا في الوصول للمعرض، وفي ترتيب الحركة منه وإليه، وصولًا إلى الممرات الضيقة بالداخل. تستقبلك وأنت تهمُّ بدخول المعرض عبارات منتقاة لعدد من الأدباء والشعراء والمفكرين العرب تمجد القراءة، وهي إضافة متميزة حقًّا لمعرض هذا العام.
لكل معرض كتاب لغته، وقد يكون هناك أكثر من لغة في معرض واحد. معرض الرياض الدولي للكتاب أشبه بعالم عربي وحدته اللغة العربية، ممثلة في أعز إصداراتها الكتاب، من المحيط إلى الخليج. لقد نجح الكتاب ومنظمو المعرض في جمع العرب تحت سقف واحد. كم هو جميل ذلك الشعور بوحدة العرب، وقد أنساهم الكتاب خلافاتهم السياسية.
ضمن هذه التظاهرة العربية المفرحة، ضمن هذا العيد الثقافي، فإن لكل دولة عربية بصمتها الخاصة في جناحها. من الصعب الوقوف على تفاصيل كل دولة، لكن تجدر الإشارة إلى ثلاث منصات تعكس إلى درجة كبيرة الحِراك الثقافي والعملي المتعلق بالكتاب.
كان لبلاد الرافدين ومهد الحضارات البشرية حضور متميّز في معرض هذا العام. فقد امتلأت رفوف جناح العرض بعناوين شتى في مختلف ضروب المعرفة من آثار مطمورة تعود لعصور غابرة، إلى التاريخ المعاصر للبلد ذاته، مرورًا بمختلف الحقب التاريخية التي مرَّ بها الهلال الخصيب. كما أن الطرح الفكري الذي تحمله عناوين بعض الكتب يجعل من حضور العراق حضورًا مميزًا هذا العام.
اشتهر لبنان منذ بداية العصر الحديث بأنه منارة فكرية تشعُّ في سماء ثقافة الشرق العربي. عُرف عن لبنان كثرة دور النشر والطباعة التي جعلت منه قطبًا ثقافيًّا إقليميًّا. غير أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها البلد حاليًّا قد أثرت على حركة النشر فيه لهذا العام، ومع ذلك فقد كان لدور النشر التقليدية في لبنان بفروعها المهاجرة حضور متميز في المعرض.
ويبقى للبلد المضيف نصيب وافر من الذِّكر قد يصعب الوقوف مطولًا أمام كل تجلياته. غير أن أهم ما يمكن ملاحظته في دور العرض السعودية يتمثل في ابتكار طرق جديدة لشراء الكتاب أو تأليفه أو نشره بطرق جديدة.
الحديث هنا عن دور نشر وطباعة رقمية تتيح للقارئ أو المؤلف أو الناشر اتباع أقصر الطرق لشراء أو تأليف أو إصدار كتاب بعيدًا عن الطرق التقليدية في هذه المجالات.
هنا يأتي دور المنصات الرقمية، وما أكثرها للإبحار في عالم الكتاب قراءة وتأليفًا ونشرًا. وبطبيعة الحال فإن هذا التوجُّه يعكس تمامًا التحوُّل الرقمي الذي تعيشه المملكة.
ونظرًا لأن لكل فرد كتابه وشغف قراءته وكاتبه الذي يقرأ له، فإنه يستحيل الإحاطة بكل ما يمكن أن يحتويه المعرض. ومن المؤكد وجود إحصائيات لدى منظمي المعرض يمكن من خلالها قياس توجُّه القراء واهتماماتهم. غير أنه يُلاحظ ازدهار الطلب على الرواية، كما أصبح معتادًا في السنوات الأخيرة.
معرض الرياض الدولي للكتاب حدثٌ سنوي يترقبه المثقفون ومحبو القراءة، وكل مَن كان الكتاب رفيقًا له بفارغ الصبر. وعندما يغادر الزائر المعرض يرافقه شعور دفين بفراق عزيز لديه. هذه هي تجربتي في معرض الرياض هذا العام وكل عام.