سالم اليامي

هناك عبارات في الحياة اليومية تستخدم وتمر في الغالب مرورا عابرا بمعنى لا أحد يتوقف عندها ويتفحص المعنى أو المعاني العميقة خلفها، من ذلك عبارة الدنيا حياة وموت التي اخترت أن تكون عنوانا لهذا المقال، وبالمناسبة كنت قبل مدة قد تحدثت مع زميل عن هذا الموضوع وهذه الفكرة، فقال لي إنها تصلح عنوان كتاب يذكر فيه المرء ما له وما عليه بقدر الإمكان، وقال صديقي إن الموضوع سيكون أكثر جذباً وإثارة إن تم ذكر شيء من الأشياء التي يخفيها الكاتب حتى عن نفسه وما أكثرها.

هذه العبارة كان البعض يحرص حتى على تدوينها في الكتابات الحقوقية مثل مكاتبة دين بين شخصين أو بيع شيء بين شخصين ويبقى جزء من الثمن يؤجل إلى وقت متأخر، فجرت العادة أن تكتب هذه العبارة بعد تحديد الوقت الذي يكون نهاية المهلة ويستحق فيه استيفاء الثمن.

في المرحلتين المتوسطة والثانوية كنت أعمل في دكان صغير للبقالة يملكه السيد والدي غفر الله له، ولم يكن محل تجارة بمعنى يدر أرباحا أو ثروة بقدر ما هو عمل يجلب بعض الأرباح في بعض الأحيان، وفي بعض المواسم، لكن عملي في ذلك المكان الصغير أتاح لي الاحتكاك بخلق كثيرين كل منهم له اهتماماته، وكان البعض منهم يحتاجون خدماتي المجانية بطبيعة الحال لكتابة عقد بيع أو شراء سلعة أو أرض ما أو تسجيل دين مستحق من أحد المعارف لشخص آخر، وكان البعض منهم يصر أن تذكر عبارة الدنيا حياة وموت في الأخير بصيغة «ولأن الدنيا حياة وموت فيبقى في ذمة فلان بن فلان المبلغ الفلاني ويستحق الاستيفاء في التاريخ المحدد..». لم يكن هناك ذكر لتاريخ معين وكان يستعاض عن ذلك بمواعيد جميلة ثابتة وراسخة في حياة الناس مثل قولهم «ويستوفى المبلغ الفلاني ملفى الحاج» أو «ويستحق المبلغ الفلاني عند شرب الماء» في الفقرة الأولى يعني عند شهر محرم في الغالب، حيث في ذلك الوقت يعود الحجاج إلى ديارهم، وفي الفقرة الثانية يكون الموعد أو يقصد بالموعد بعد عيد الفطر وكلمة شرب الماء دلالة على أن الصيام قد تم وأفطرت الناس وأصبح بمقدورهم شرب الماء في النهار.

من أشهر الشخصيات التي كانت تستكتبني في تلك السن المبكرة رجل حينها كان قد تجاوز الخمسين من عمره لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويحمل قطعة معدنية صفراء هي ختمه الذي كتب عليه اسمه بخط رديء جداً، كان يضع تلك القطعة المعدنية الصفراء في منديل أحمر فاقع اللون تحول لطول مدة استخدامه إلى أحمر مائل للسواد، وكان يربط بجوار تلك القطعة الفراء الصغيرة ما يسمى بالاستنبه أي المحبرة الصغيرة لا تتجاوز أبعادها أربعة سنتمترات مربعة، وكان يمهر بها أي اتفاق يكتبه مع أحد، والرجل كان بنكا متنقلا غفر الله له، كان يأتي إلي في الدكان في الصباح بالعادة في أيام الإجازات المدرسية، ويحضر معه قرص من الخبز التميس وكأس حليب من البوفية الوحيدة في الشارع، وكان يلتهم طعامه الذي أعتقد أنه وجبة إفطاره بسرعة، ثم يحمد الله بصوت عال، ويبدأ في استقبال الباحثين عن القروض الحسنة كما أعتقد.

@salemalyami