د. عبدالوهاب القحطاني

لا أكتب مقالي هذا من وجهة نظر سياسية متهيجة ضد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وغيرها، بل أرى أن الوقت مناسب ليفهم العرب أنهم لا يستغلون الفرص المتاحة للعب الدور الاقتصادي والسياسي لأن منافسيهم يستغلون حجة الإرهاب الذي يستثمره الأمريكيون بصفة خاصة للفوز بالمكاسب الاقتصادية على حساب العرب والمسلمين، وذلك في كل مكان تتوافر فيه المصالح للولايات المتحدة، حيث توطد هيمنتها على العالم بكل السبل التي تراها ممكنة وقابلة للتنفيذ.

لقد كان انضمام معظم الدول العربية لمنظمة التجارة العالمية WTO الفرصة المناسبة لشركاتهم للنفاذ في الأسواق العالمية للدول الأعضاء من غير تحيز ضدها إذا توفرت العدالة والشفافية والنوايا الحسنة لدى الأطراف الأخرى لأن المنظمة نظريا تساند الشفافية والتجارة الحرة والتخلص من القيود التي تعيق التجارة بين الدول الأعضاء، لكننا لمسنا من الولايات المتحدة الأمريكية النقيض لما تدعو إليه المنظمة من تكامل وتناغم اقتصادي بين الدول، خاصة ما يحدث من عقبات للفرص الاستثمارية أمام الشركات الخليجية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أثبتت للعرب، خاصة الخليجيين منهم، أنها مهما بلغت من الحكمة السياسية لن تكون شريكا اقتصاديا يعتمد عليه لبناء اقتصاد عالمي متكافئ. لقد شهدنا مؤشرات ما أتحدث عنه في المعارضة الشرسة للكونجرس الأمريكي لمنع هيئة موانئ دبي من الفوز بعقد تدير بموجبه ستة موانئ أمريكية. وتدور حجة بعض الأعضاء المعارضين في الكونجرس للصفقة حول الإرهاب الذي استثمره الأمريكيون إستراتيجيا على حد سواء ضد الصديق والعدو من العرب. فقد حاولوا تقليص الفرصة أمام هيئة موانئ دبي عندما قالوا إن في هذه الصفقة تهديدا للأمن القومي الأمريكي.

وكنت قد كتبت عن عدم التسرع في التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من البحرين وعمان والإمارات العربية لأن هذه الاتفاقيات غير متكافئة من حيث الفرص والقوة التفاوضية ما يجعل فرص الخليجيين في النفاذ إلى السوق الأمريكية ضئيلة بسبب المعارضة الشديدة في أروقة السياسة الأمريكية ضد التدفق الاستثماري العربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مهما كانت النوايا الحسنة للخليجيين.

أتحدث عن اقتصاد عالمي يجب أن يقوم على أسس المنافسة والشفافية والعدالة في الفرص بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية التي تشجع الدول الأعضاء على خفض الحواجز التجارية الطبيعية والسياسية والاقتصادية لتتكامل اقتصادات الدول في الاقتصاد العالمي. إن ما قامت به إدارة هيئة موانئ دبي من تنازل ودي وحميمي لشركة أمريكية يعد في نظري عملا طيبا، لكنه كان تنازل الضعيف للقوي للخروج من المأزق. إلى متى يتنازل الخليجيون عن فرص عادلة ويؤثرون غيرهم على أنفسهم؟ وإلى متى يستمر العرب في التعامل بهذه الطريقة مع من يعتقدون أنه شريك إستراتيجي اقتصادي يعتمد عليه؟.

لقد كانت فرصة ممتازة لدولة الإمارات العربية ممثلة بهيئة موانئ دبي وللعرب جميعا ليثبتوا للأمريكيين وغيرهم أنهم جديرون وقادرون على المنافسة وتقديم الخير والفكر والمشاركة في النمو الاقتصادي للعالم من خلال إدارتهم للموانئ الأمريكية التي آلت إدارتها قسرا فيما بعد لشركة أمريكية. وسيستمر تحجيم الاستثمارات العربية الخدمية والمعرفية والسلعية التي لها قيمة مضافة، وذلك حتى لا تتوسع خارج حدودها، بل ستسمح التجارة العالمية والاتفاقيات التجارية عبر المناطق الحرة لتحجيم العرب داخل بلدانهم.

إذا رغب العرب في التجارة الحرة مع الدول العظمى فلا بد من توافر الظروف المناسبة التي تتيح الفرصة العادلة لجميع الأطراف المهتمة بالتكامل الاقتصادي العالمي وأهمها العدالة وعدم «تسييس» الاقتصاد ليفوز منافسو العرب عليهم من خلال نوافذ السياسة الملتوية. ومن الأهمية أن يكون لدى العرب تكتل اقتصادي يساعدهم على المنافسة في دولهم وخارجها لأننا نواجه تحديات حالية ومستقبلية قد تؤدي إلى سقوط منظمة التجارة العالمية عندما ترى الدول العظمى الأعضاء عدم جدواها في تحقيق مصالحها في الدول الأعضاء.

كلية الأعمال KFUPM

dr_abdulwahhab@