لا يُلامُ الإنسان على رغبته في تخصص عالي المستوى، ولا يُلام الفرد إن رغب في تخصصات عالية مثل الطب والهندسة وغيرهما، ولكن الإشكالية التي تواجه المجتمعات العالمية كلها بلا استثناء قد تسببت في وقوع أزمة توظيف، وأزمة عمل، وأزمة إنتاج، وأزمة اجتماعية عالمية خانقة، بسبب غياب التنظيم المدروس لرغبات الأفراد، ودخول المجتمعات ومنذ قرن على الأقل في اتجاه بعيد كل البعد عن المنطقية والعقلانية في التخطيط للمستقبل الجمعي لكل دولة، لأن مستقبل الفرد في النهاية لا ينفصل عن مستقبل المجتمع ككل.
النظام التعليمي في العالم كله، كان جزءاً من هذه المشكلة، ولم يكن عاملاً مساعداً على التقليل من حجم التأثيرات السلبية لهذه المشكلة، حيث إن هذا النظام التعليمي لم يبذل الكثير من الجهد خاصةً في الدول النامية والتي تمثل شعوبها أغلبية سكان الأرض، لم يبذل ذلك النظام التعليمي الجهد المطلوب لتصنيف المنتمين إلى نظامه بالطريقة التي تخدم مصلحة الفرد بالدرجة الأولى ومن ثم مصلحة الدولة بالدرجة الثانية.
إن هناك قطاعاً واسعاً من الشباب حول العالم لم يكونوا مناسبين أبداً لدراسات مثل الطب والهندسة والكثير من التخصصات الأخرى، ومنهم من تخرجوا وعاينوا الفشل بكل ما تحمله الكلمة من معنى في مسيرتهم المهنية، بينما كان من الممكن أن يفيدوا مجتمعاتهم وأوطانهم بالكثير من الإنجازات لو أن النظام التعليمي المدرسي على وجه الخصوص كان قد وضع لهم ورسم لهم خارطة الطريق التي تناسب توجهاتهم وقدراتهم.
ولا تزال المدارس في دول العالم الثالث تعاني إشكالية الاعتقاد بأن دورها هو فقط إيصال الطالب إلى الجامعة، لكن هذا الطالب الذي لا يمتلك خبرات في الحياة، وهو فرد بريء كل البراءة على مستوى فهم متطلبات تلك الحياة، يحتاج إلى الإرشاد والنصح والتوجيه، حتى لا يدفع ثمناً باهظاً من وراء اختيار خطأ في التخصص الجامعي، ستدفع معه الدولة أيضاً ثمناً ليس بالهيّن لأنه لن يكون عنصراً منتجاً فيها بالشكل المطلوب.
النظام التعليمي، بحاجة من دون شك إلى وضع أساس علمي مبني على دراسات يمكن التأسيس عليه لمراقبة قدرات ومهارات كل طالب منذ الصف الأول الثانوي وصولاً إلى الصف الثالث الثانوي، ليقوم على أساس تلك المراقبة مختصون في علوم التربية بتوجيه كل طالب على حِدة ليتجه إلى الاتجاهات التخصصية التي تناسبه والتي من الممكن أن يبدع فيها، وهكذا من دون شك ستنخفض طوابير العاطلين عن العمل كنتيجة أخرى من نتائج هذه الرعاية المدرسية المفقودة.
@hananabid10