أ. د. هاني القحطاني

hanih@iau.edu.sa

الدوارات المرورية هي حلول هندسية لتقاطعات الطرق، وهي على أية حال مجرد اجتهادات لحلول تكدس المركبات في المدينة الحديثة، ولا يكاد يتجاوز أقدم دوار مرور في العالم نحو السبعين عامًا، وعلى ذلك يمكن اعتبارها تاريخيًّا ظاهرة حديثة في تخطيط المدن. وقد أثبتت الدوارات فعاليتها؛ مما ساهم في انتشارها عبر العالم، خصوصًا في المدن والمخططات الحديثة.

تختلف الدوارات في سعتها، وفي أشكالها، وفي زاوية الدخول إليها، وفي عدد الشوارع النافذة إليها والخارجة منها. وتعتمد انسيابية الحركة المرورية على سعة الدوار، وعدد منافذه، وعرض الشوارع المؤدية إليه. فيما يتعلق بوظيفة الدوار، فإن نجاح الدوار في أداء وظيفته يكمن في طريقة استخدام السائقين له، ويبقى الحكم بأفضلية المرور في الدوار، وعدم التزام السائقين بها هو المعضلة الكبرى التي تحد من أدائه، مما حدا بإدارات المرور لوضع إشارات مرورية على بعض الدوارات، وهو ما يُفقد الدوار أساس وجوده أصلًا.

وكما هو معلوم بالضرورة، فإن الدوارات تهتم بتنظيم حركة السيارات، لا البشر، وهو ما يجعل منها عناصر خارج معجم مصطلحات أنسنة المدينة. ولارتباطها بحركة مرور مزدحمة فقد أصبحت الدوارات منصات عرض وإعلان لكل مَن يمر بها.

ربما كانت واجهة كورنيش الخبر من أكثر شبكات الطرق التي وظفت الدوار في طريقها الساحلي وجواره، لدرجة أن بعض هذه الدوارات لا يبعد عن جاره سوى بضع مئات من الأمتار.

وبفضل جهود الأمانة والقطاع الخاص فقد تحوَّلت واجهة الخبر ودواراتها إلى معالم سياحية على مستوى المدينة والمنطقة والمملكة.

غير أن كثرة هذه الدوارات، وقصر جهود القطاع الخاص في الاهتمام بها تحديدًا دون غيرها من أوجه التنمية في كثير من المشاريع الحضرية، تطرح أسئلة عدة حول الهدف من كثرة الدوارات واستحواذها على هذا الاهتمام.

لقد أصبحت هذه الدوارات منصات عرض لشركات القطاع الخاص ليس إلا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

هذا عن الأصل من وراء استحداث هذه الدوارات. أما عن محتواها الفني فلكلٍّ رأيه، وبما أن العمل الفني مفتوح لكل التفسيرات فلا ضير في ذلك. ومع ذلك فإن الإصرار على التغيير قد يأتي على عكس ما خُطّط له.

الحديث هنا عن دوار الطير سابقًا شرق دوار ما كان يُعرف بدوار الهلال سابقًا أيضًا. في التصميم الجديد للدوار تم استئصال مجسَّم الطير، واستُعيض عنه بأعمدة موزعة على مسافات متساوية على محيط الدوار.

إنك وأنت تطوف بالدوار لتتساءل، ثم ما تلبث أن تندم وتتحسَّر على العمل الفقيد، على الطير الذي كان من جماله يكاد يغرِّد، كلما طفت من حوله. لقد كان ذلك الطير وعبقرية تصميمه من أروع ما اقتنته مدننا في العصر الحديث.

من الواضح أن التصميم الجديد للدوار قُصد به أن يكون شموعًا مضيئة في الليل. غير أنه كان بالإمكان الحفاظ على الطير مع استحداث تلك الأعمدة الضوئية، وتحقيق كلا المطلبين.

وإذا صحَّت هذه الفرضية فإنها تتعارض أصلًا مع منطق الأشياء، فالأصل في النشاط البشري هو النهار وليس الليل.

يطرح هذا الدوار في مخرجه وآلية التفكير فيه وعمله ثقافة يبدو أنها متأصلة في التنمية الحضرية لدينا. هدم القديم مهما كان هو هدم لتاريخه ولذكريات كل مَن عاش معه. إنه هدم للمكان وذاكرته، فما بالك إذا كان عملًا فنيًّا يُشار إليه بالبنان... ما أسهل الهدم، وما أصعب البناء.