أنيسة الشريف مكي

الغرور والتكبر وجهان لعملة واحدة، ومشكلة مرضى الغرور والتكبُّر معقدة لا يستطيع فك عقدها إلا الأطباء النفسيون.

قابلت عددًا لا يُستهان به منهم، فوجدت سلوكهم غير طبيعي في الغالب، أنانيين لا يهتمون بغير أنفسهم ومصالحهم، ومبدؤهم الغاية تبرر الوسيلة، وهدفهم تحقيق تلك الغاية ولو على حساب مضرة الآخرين.

والمصيبة عندما تفرض الضرورة التعامل والتعايش معهم، كزملاء عمل أو رؤساء في نفس الدائرة، أو مراجعين مثلًا أو في أماكن أخرى تقتضي الظروف التعايش معهم للضرورة.

هذا المرض النفسي يصيب أشخاصًا في طبقات المجتمع كله، وليس شرطًا أن يصيب الطبقات العليا منهم أو مَن يعملون بوظائف كبيرة، كبعض القادة والمسؤولين على سبيل المثال. ميكروب هذا المرض يسبب عاهات في المجتمع لا يفرق بين فئات المجتمع وطبقاته يسير في دمائهم، وإذا لم يقضِ عليه عاجلًا غير آجل، وبكل الطرق والوسائل قبل وصوله لحالات متأخرة، بالتأكيد ستكون عواقبه أسوأ «لا قدر الله» عليهم وعلى مَن يتعامل معهم.

هؤلاء مرضى وضعفاء عقول فاقدو الأهلية وفاقدو الثقة بأنفسهم، ما تكبّر أحد إلا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول أحد إلا لوهن أحسّه من نفسه.

مرضى يدوسون على القيم والمبادئ بغرورهم وتعاليهم. وشعورهم بالعظمة، أقصد جنون العظمة، يتوهَّمون أنهم وصلوا إلى الكمال، وهذا ما يجعلهم يقومون بالكثير من التصرّفات غير اللائقة، كأن يُشعرون الأشخاص من حولهم بالنقص، وبأنّهم أقلّ مكانةً منهم، حينها ينعكس السحر على الساحر، ويصبحون هم الناقصين غير المرغوب بوجودهم بين الناس.

أجزم بل أؤكد أن السبب الرئيس يعود للتربية الأسرية السلبية والوسط الذي عاشوا فيه سبَّب لهم اضطرابات عقلية ونفسية واجتماعية جعلتهم يتعالون ويتكبرون.

لماذا الغرور؟!! سؤال وجيه.. لماذا؟ ونحن نأتي إلى الدنيا سواسية، طفل الملوك كطفل الحاشية، ونغادر الدنيا ونحن متشابهون على قبور حافية، أعمالنا تُعلي وتخفض شأننا، وحسابُنا بالحق يوم الغاشية!! أحسن الشاعر في تعبيره وأصاب الهدف.

مما يؤلم ويضحك في نفس الوقت سفه المغرورين حتى في الاجتماعات الهامة، نراهم يتصدرون المواقف بتعالٍ لا يهتمون بآراء الآخرين، ويفرضون آراءهم، ويقاطعون غيرهم في الحديث دون احترام لأحد، وحين يُلفت نظرهم لا يعترفون بأخطائهم سرًّا ولا علانية.

مرضى الشعور بالعظمة والتجبر واستصغار الآخرين يثيرون الشفقة والازدراء معًا.

إخوة إبليس تشبيه مطابق لسلوكهم، إبليس منعه الكبر والغرور من إطاعة أمر الله «سبحانه»، فلم يسجد لآدم كما أمره الله، اغتر بنفسه وقال «أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين»، فاستحق الطرد، وخرج من الجنة وهو من الصاغرين.

«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، عليك أفضل الصلاة والسلام يا حبيبي يا رسول الله.

(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما).

aneesa_makki@