القطيف محافظة ساحلية تضم عددا من المدن والقرى والجزر كانت معروفة قديما بالزراعة وتصدير التمور وتجارة اللؤلؤ في زمن ما قبل اكتشاف النفط، وكانت في الأزمنة القديمة تعد ثاني أكبر حاضرة بالمنطقة بعد الأحساء. من مدنها القديمة التاريخية الزارة ودارين وتاروت. وما يلفت النظر بالآونة الأخيرة أن هناك تركيزا على تاروت دون غيرها على أنها الأقدم وربما إن كان ذلك صحيحا من خلال ما اكتشف من آثار في قلعتها البرتغالية إلا أنه يتوقف بعدها. ولا يأتي لها ذكر في الفترة العربية بعد الألف قبل الميلاد ويأتي على الدوام ذكر دارين كحاضرة للمنطقة مع الزارة تلك المدينة التي لم يكتشف موقعها إلى الآن وربما نخصص مقالا مفصلا عنها.
لا توجد دراسة أثرية في المناطق السكنية القديمة بتاروت بجوار تلك القلعة البرتغالية وآثارها السومرية المكتشفة بها، إلا أنه عند سؤال أهالي تاروت فإنهم يؤكدون عدم وجود أو العثور على آثار تحت تلك المباني الطينية عند إعادة الحفر والبناء سوى عن بعض العظام البالية أحيانا ويجهل طبيعتها. وتاروت المدينة لم ترد في كتب التاريخ ولم ترد أيضا عند المؤرخين العرب القدامى بصفة حاضرة. مما يعزونا القول بأن تاروت المدينة القديمة الموجودة حاليا هي حديثة تاريخيا ويبدو أن نشأتها أتت بعد الفترة البرتغالية من القرن العاشر الميلادي من بناء لقلعتها. ويؤكد ذلك عدم تتابع أو استدامة سكنها من عدم العثور بها على أية ملتقطات من فخار وآنية وتماثيل بالمدينة القديمة.
وهناك دلالات مما يعثر عليه بجزيرة تاروت ككل من آثار متناثرة دلت على تواجد للحضارة السومرية والدلمونية والهيلينية والإسلامية. مما يعنى أنها في عصور تلت الفترات الأولى من تاريخ الجزيرة أنها تحولت إلى منطقة قليلة السكان ليس بها حاضرة. وهذا يأخذنا إلى المدينة الأقدم وهي دارين فكل ما بها هو تاريخي وبعد تلك الفترة السومرية والدلمونية.
كانت دارين وقبل الإسلام معروفة بعدد من الأمور منها كنيستها القديمة الموحدة وشاعر المعلقات، وكذلك كونها عاصمة بني عبد القيس. مما يعزونا القول بأن المدينة على أقل تقدير عمرها حوالي ألفين إلى ثلاثة آلاف عام كان سكانها من بني عبد القيس والتي ترجع أصولهم إلى تهامة من الساحل الغربي للجزيرة العربية، قدموا بعد سكان المنطقة الأقدم من الأزد واياد وكندة كما تذكر المصادر التاريخية.
مما يعرف أيضا عن دارين ذكر موقع الكنيسة النسطورية القديمة بها في المراجع والكتب على أنها موحدة تتبع كنيسة أكبر ببلاد الرافدين وتسمى ابرشية، وأنها كانت مجمع الدين النصراني لكنائس الخليج الأصغر منها. وإنه كان بها قس ذو شأن كبير بشر بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل ولادته مما أدى لاحقا إلى اعتناق الدين الإسلامي بالمنطقة فور السماع عنه. منهم بحيرا الراهب وهو من بني عبد القيس ومن اتباع الكنيسة النسطورية وقصته المعروفة عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم برحلته للشام يوم أن كان صغيرا. وموقع تلك الكنيسة التي تشابه الفاتيكان في زمنها يعتقد أنه من البناء ونواحيه المعروف اليوم بقصر محمد بن عبدالوهاب أو ما تبقى منه. وقد اكتشفت تماثيل بتلك المنطقة قديما تتماشى مع معتقدات تلك الكنيسة مما يدعونا للقول إنه ربما كانت كل تلك المنطقة القديمة من نواحي ذاك القصر بدارين مجمعا دينيا قديما. وهناك إشارات من المصادر التاريخية بأنه كان سكان المنطقة يحجون إلى تلك الكنيسة الموحدة قبل الإسلام سنويا يعقدون فيها ندواتهم لفقه دينهم.
ونأتي هنا على شاعر المعلقات من أهل دارين طرفة بن العبد أحد أصحاب المعلقات، والملقب «العبدي» عائذ بن محصن بن ثعلبة ومن شعره: كفى حاجة الأضياف حتى يريحها، على الحي منا كل أروعة ماجد. ونرى الشعراء أيضا يتحدثون عن دارين التجارية في العصر الأموي ويقول عنها الأحوص الأنصاري: يمرون بالدهنا خفافا عيابهم، ويخرجن من دارين بجر الحقائب. ونقول هنا بعد هذا السرد الخلاصة بأن تاروت هي بالفعل الأقدم تاريخيا، لكن من الواضح أيضا ومن خلال المكتشفات والمصادر التاريخية أن دارين هي الأقدم عربيا وهي تماثل «العلا» من حيث نشأتها العربية.
@SaudAlgosaibi