د. نايف بن عيسى الشدي

@Nayefcom

احزن، وابك، ويحق لك أن تدمع عيناك وتتألم لما أصابك من نكد الدنيا وكدرها، وعظيم ألمها ومصابها، فما القوة الحقيقية في التظاهر بغير ما خُلقتَ عليه، بل هي في أن تكون كما أنت.

على سجيتك.. على طبيعتك.. على فطرتك.

فلا تخش من الناس نقدًا، ولا مما يقال عنك استنقاصًا وذمًا، ما لم تجزع، أو تهلع، أو تفقد اتزانك، فأنت لست في حرب مع الكون المحيط بك، فتخشى أن يراك من تحب منكسرًا.

وكل ما في الأمر هو ألا تتكلف ما ليس لك، فتعيش على الضد من حقيقتك، وتتظاهر بما لا يلزمك، بالتصحر أو التجلد لتكون في عظيم مصابك، وكأن شيئًا لم يكن.

إن ارتباط المشاعر بالعيب أو الرجولة أو الأنوثة، هو نزع للإنسانية من صدرك، والرحمة من قلبك، والتظاهر بما يخالف فطرتك، فكما أنك حين تسمع طرفة مضحكة لا تتردد بالضحك، فعلام تتصلد بالضد في حال الألم أو الحزن، فتكبت البركان الثائر بداخلك، ليعود ذلك على نفسك، وقلبك، بل وجسدك.

أتخشى أن يقال إنك ضعيف، أو ذو قلب رهيف؟

فلست بأصبر ولا أجلد ولا أرجل ولا أعظم من حبيبك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لما ألمّ به الفراق فدمعت عيناه وقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

فإذا ما اطمأنت نفسك لحقيقة الدنيا التي تجمع لتفرّق، وتعطي لتمنع، وتزيد لتنقص، وتقرّب لتبعد، عشت لحظاتها بكل ما هي عليه بعمق، وصدق، وصفاء، وتعايش، واكتفاء.

وقد أبدع أبو الحسن التهامي بوصفها

حكمُ المنيَّة في البريَّة جاري

ما هذه الدنيا بدار قــرارِ

‏بينا يُرى الإنسانُ فيها مخبـرًا

حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ

‏طُبعَت على كدرٍ وأنت تريدُها

صفوًا من الأقذاءِ والأكدارِ

‏ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعهــا

متطلّبٌ في الماءِ جذوة نارِ

فمن الطبيعة أن تضيق بك الدنيا على فراق من تحب، أو تفجع بالفقد، أو تنكسر بنوائب الدنيا التي لا تنقضي، فتخسر مالا جمعته، أو صاحبًا أحببته، أو جسدًا اعتنيت به، فما إن تفرح بما أوتيت وتسعد، حتى يلحقك ما يقض مضجعك بالضد.

فعلام تكتم أنفاس الحزن في صدرك حال فجيعته!

أتظن أن ذلك من رجولتك! أم تظنين أن ذلك من قوتِك وجبروتِك!

هي في الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك كله.

فكما أنا نفرح باللقاء، والثراء، والوفاء، فعلام إذا ما احتكت بنا المحن، نحرم أرواحنا من لذة الحزن والبكاء، كاحتكاك اليدين ببعضهما في حال البرد، يزيدهما دفئا، لنعود بأقوى مما كنا عليه، وأصلب نفسًا، وأشد عزيمة وبأسًا.