د. محمد حامد الغامدي

من المشاهد التي رصدتها، وبشكل متكرر، في بعض قرى ريف منطقة الباحة، مشاهد جور استنزاف المياه الجوفية على زراعات عشوائية سامة وغير نظامية. بخلاف تدهور التربة وموتها بسبب هذه (الزراعة البلطجية). الأهم مصيبة استخدامها المبيدات الحشرية السامة دون رقابة، وبشكل مفرط وجاهل وقاس. عمالة غير سعودية تنتشر ويتوسع نشاطها، همها الأوحد جمع المال على حساب صحتها، وصحة المواطن والمقيم. الأمر يتفاقم سنة بعد أخرى في غياب الجهات المسئولة، وأيضا الجهات الرقابية. هناك شركاء من المواطنين في هذه التجاوزات. هل هو الجهل؟

أصبحت الزراعة في القرى والأرياف مجالا خصبا لتربح العمالة السائبة الجاهلة بكل شيء، تزرع لتحصل على رزقها في ظل ظروف قاهرة بسبب تجاوزات بعض المواطنين، وعدم التزامهم بمسؤولياتهم، يستقدمونهم كعمالة لغرض محدد، ثم يضعونهم في ظروف تجعلهم تحت وطأة الحاجة لمثل هذه الزراعة. هناك تعاون من المواطنين مع هذا النشاط، حيث يؤجر البعض أراضيهم الزراعية المهملة مقابل أجر لكل موسم. وضع أشبه بمن يؤجر مسكنا دون أوراق ثبوتية.

خطورة هذا النشاط الزراعي البلطجي تتلخص في أمرين، بجانب أمور أخرى أتركها لأصحاب الشأن والاختصاص: الأول خطورة استنزاف المياه الجوفية المحدودة. بسببها تهبط مناسيب المياه الجوفية المحدودة بشكل حاد في الآبار. بعض المزارع المستأجرة يتم هجرها بمحاصيلها لجفاف آبارها. الثاني خطورة استعمال المبيدات الحشرية (بشكل أسبوعي) خلال فترة الزراعة. هذا يشكل خطرا شديدا على صحة كل من يتناول ثمر هذه الزراعة.

هل المشكلة قائمة في جميع مناطق المملكة؟ إن تفاقمها في المناطق الريفية يطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات. أتساءل عن صمت الجهات المسئولة عن هذه النشاطات الزراعية غير النظامية؟ إذا لم يكن هناك قوانين وأنظمة تمنع، فعلينا تدارك الأمر لحماية صحة المواطن، وحماية التربة من الإنهاك، وحماية موارد المياه من الاستنزاف الجائر في ظل شح الأمطار في مناطق الدرع العربي.

منطقة الباحة منطقة ريفية تتكون من سلسلة قرى معروفة الاسم. لكل قرية أودية معروفة الاسم. لكل قرية مسؤول (عمدة أو معرف) معروف الشخصية والاسم. هذه السلسلة من المعلومات تسهل عملية المراقبة والرصد والمتابعة، لوضع حد لما يجري في منطقة الباحة وغيرها من المناطق المشابهة. حيث يمكن توجيه معرفي القرى بمتابعة ما يجري في أودية قراهم من تجاوزات بيئية، ورصد مثل هذا الأنشطة الزراعية، ومنعها، والتبليغ عنها للجهات المسؤولة وفق آلية نظامية.

أصبح هذا النشاط الزراعي غير النظامي، والخطير صحيا وبيئيا، مهنة منظمة للعمالة السائبة. فهناك فريق يستأجر. وفريق يزرع ويرعى. وفريق يحصد. وفريق ينقل الإنتاج بأساطيل السيارات إلى مدن المملكة. وفريق يستقبلها ثم يتاجر بها. الموضوع ليس عشوائيا. كخطوة أولى أدعو لمنع ومعاقبة من يؤجر أرضه الزراعية لأي عمالة سائبة.

هناك من المواطنين من يستقدم العمالة بطرق نظامية، وبدلا من دفع رواتبهم يترك لهم حرية استثمار الأرض مقابل هذه الرواتب. فيتحولون إلى التوسع في نشاطهم الزراعي عن طريق استئجارهم لمزيد من الأراضي. ثم في خطوة أخرى يشكلون مع غيرهم من العمالة السائبة سلسلة مساندة منظمة لممارسة هذا النشاط في مناطق عدة. فهم يتنقلون من منطقة لأخرى، ويشكلون شبكة للتعرف على بعض، ومن ثم التنسيق بينهم لنقل وتسويق منتجاتهم وفق اتفاقيات تسمح بتقاسم الأرباح بينهم.

السكوت على مزاولة مثل هذه الأنشطة الزراعية المسمومة يحمل الكثير من المحاذير. لا أود الخوض فيها. لكن أن يتم استنزاف المياه الجوفية على زراعات ملوثة بالسموم، فهذا يضاعف الخطورة والمحاذير. التجاوز يقود إلى آخر في ظل غياب العقاب الرادع. غير مقبول أن يتم إخضاع صحتنا لخطر الأمراض من جراء تناول غذاء يحمل بقايا المبيدات الحشرية السامة. هذا النشاط ليس من الأمن الغذائي في شيء. لكنه أمراض تفتك. أمراض السرطان المنتشرة قد تكون خير شاهد.

twitter@DrAlghamdiMH