عبدالعزيز الجاسم

يقال في الأثر إنك «إذا أردت ألا ترى شخصا ما بشكل متكرر أقرضه من مالك»، حقيقة يحصل عليها الكثير منا حينما يقرضون أحدا ولو القليل من المال، فإنهم يفتقدون المقترض غالبا وتظهر الظروف المفاجئة له، فتكثر زياراته للمستشفيات وتتعدد مشاغله التي تبعده فراسخ عن جيب المقرض، أذكر فيما سمعت من حكايات جدي أن ربانا بحرينيا (نوخذة)، أوسع الله عليه في رزقه، وقد أتى رجل لهذا النوخذة طالبا منه سلفة ليقضي بها شأنه على أن يعيد المال إليه في أقرب فرصة ممكنة، لم يعترض النوخذة على ذلك الطلب، لكنه سأل الرجل أن يقبل يده كشرط للموافقة على إعطائه المال، فأبى الرجل وظهرت عليه علامات الأنفة والشموخ، ورد مستفهما بغضب عن سبب هذا الشرط الذي يسيء لكرامته كرجل، فرد النوخذة (لقد اشترطت أن تقبل يدي كي أعطيك المال لأنني سوف أقبل قدميك لاحقا كي تعيده)، وهذا ما حصل لي تقريبا مع صديق قديم التقيت به صدفة بعد فراق سنوات، فدار بيني وبينه سلام وحوار وتبادل أرقام الهواتف، لم يمض على ذلك إلا دقائق معدودة بعد افتراقنا حتى وردني منه اتصال يطلب فيه مقابلتي، فأفدته بأني متوجه لمزرعتنا التي تبعد عن موقعه قرابة العشرة كيلو مترات، فأجاب بأنه قادم إلي كونه يريدني في أمر هام، أرسلت إليه إحداثيات المزرعة وجاء على الفور وأعاد ما كان بيننا من ترحيب وسلام ثم سألني بعض المال كونه فصل من وظيفته ويمر بأزمة كبيرة يحتاج فيها المال لعلاج ابنته وتسديد فواتير الخدمة لمنزله، لقد أحزنني حاله كثيرا ولم أجد في نفسي إلا أن أرافقه لأعطيه المال ويمضي على أن يرجعه لي خلال شهر، مضى الشهر والشهران والسنة ولم يعد ذلك المال أبدا، بل لم أقابل صاحبي مجددا منذ أن فارقته، المضحك في الأمر أن ذلك الصاحب الغائب التقى بأخي الأصغر في مكان ما، وبدأ يسأله عن أحواله ويستفسر عن عمله ومصالحه وتبادل وإياه أرقام الهواتف كما حصل معي، بل المضحك أكثر أنه أعاد ذات السيناريو بذات التفاصيل الساذجة التي أعطاني إياها والتي كانت ضمن أحد حواراتي مع أخي ذات يوم، لم يمانع أخي حينها لكنه طلب منه رقم حسابه البنكي كونه لا يحمل ما يكفي من النقود فبادر الرجل بإعطائه رقم حسابه واسم البنك وكافة التفاصيل التي تضمن تحويل المبلغ، بعدها هاتفني أخي ليخبرني بما دار بينه وبين صاحبي الغائب، وكأنه يشاهد فيلما من إنتاج بوليوود للمرة الثانية، ضحكت كثيرا كما رأفت بحال هذا المتسول باسم الصداقة القديمة، وأخبرت أخي بأن يتصل به ويخبره بأنه حول المبلغ بالخطأ لحسابي البنكي ولا يملك ما يكفي لتحويله له، فإن أراد المبلغ فعليه أن يهاتفني وسوف أقوم أنا بالتحويل إليه، ما أحزنني في كل تلك الأحداث أن صاحبي لم يكن يحتفظ برقم هاتفي حينها، وذلك حينما طلب الرقم الخاص بي من أخي كونه لا يعرفه معللا ذلك أنه لم يلتق بي منذ سنوات، قام أخي بإرسال الرقم إليه لكن أعتقد بأنه فهم الدرس حينها فلم يتصل بي ولم أقابله منذ تلك الحادثة، مؤسف جدا أن تفقد صديقا عشت وإياه أوقاتا سعيدة بسبب حفنة من المال تأتي وتمضي كالسراب.

@azizaljasim