د. لمياء البراهيم

@DrLalibrahim

كلما ارتفع مستوى القيادة، اتسع أفق الرؤية، ونحن محظوظون في المملكة العربية السعودية بقيادة الدولة منذ تأسيسها بعهد المغفور له الملك عبدالعزيز، ومن بعده أبناؤه البررة رحمهم الله، وأطال الله في عمر مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.

كانت الرؤية الوطنية من مهندس الرؤية محمد بن سلمان مثالًا لمسناه لأهمية القيادة نحو دولة طموحها يعانق عنان السماء، وشعبها له هِمَّة جبل طويق، حققت فيها المملكة إنجازات تنافسية وكانت لربما شبه مستحيلة.

سيِّدي سمو ولي العهد بكل مقابلاته عندما يتكلم عن الاستثمار والاقتصاد، فهو يُشرك شعبه، ويؤكد أهمية مشاركتهم، والذي يُعده رأس المال البشري في نهضة الدولة، وتحقيق الاستدامة.

فالموارد البشرية من الأصول ضمن ثروة الأمم، ولذا كانت ركيزة المجتمع الحيوي في الرؤية الوطنية السعودية تعي أهمية العنصر البشري لتحقيق ركيزة الوطن الطموح في اقتصاد مزدهر، وكانت البرامج التنموية حاضرة في تهيئة وتطوير وتنمية وتدريب هذه الموارد البشرية، وإعداد الكفاءات واكتشاف الموهوبين، وتشجيع الإبداع والابتكار.

وتستثمر الأصول البشرية عندما يتم تمكينها في اختيارات وظيفية مناسبة للكفاءة والمؤهلات مع تحديد الصلاحيات والواجبات والمسؤوليات ومستوى المساءلة، ويقسّم العمل على أساس التخصص والكفاءة، وليس المحسوبية والشللية ودرجة القرابة والمعرفة، والتي ساهمت في إحباط الكفاءات ممن استثمرت فيهم الدولة، إثر بعض القيادات التي ما زالت بعقلية تتمحور حول المنصب المرتبط بالتشريف والسلطة والنفوذ والمال، حتى لو تمت الإساءة في استخدامها، ولذلك نرى صراعات الكراسي محاربة للتغيير من خلال الممارسات الإدارية، التي لا تسمح بعدالة الفرص الوظيفية، والتجاوز عن أداء الموارد البشرية في إدارة رأس المال البشري وإقصاء الكفاءات الذين تم الاستثمار فيهم من الدولة، ولأسباب شخصية لا علاقة لها بمصلحة العمل.

ورغم جهود الجهات الرقابية الحكومية متمثلة في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، والتذكير الدائم بأن إساءة استعمال السلطة، واستغلال النفوذ يعدان من المخالفات والجرائم، وإحدى صور الفساد الإداري، وكذلك ما تبذله وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في إصدار اللوائح التنظيمية، وإعلانها وتطوير منظومتها، إلا أن هذه الممارسات الإدارية تشير لخلل في الحوكمة ببعض الجهات متمثلة في غياب الالتزام والمراجعة الداخلية؛ ما يسمح بالمخالفات الإدارية والفساد الإداري المتمثل بإساءة استعمال السلطة، واستغلال النفوذ، ومن صوره مثلًا:

• التعيين أو الاستقطاب والترقيات بدون تنافسية ومفاضلة في الفرص، ولا الالتزام بوصف وظيفي للوظيفة، ومواءمة ذلك مع الكفاءات داخل المنظمة لإحلالها.

• الإعلانات الوهمية المفصَّلة لوظائف تم اختيار المرشحين لها مسبقًا.

• الإعلانات الموجهة لمرشحين بتحديد أدنى الميزات من المهارات والجدارات للمرشح أو بجدارات مستغربة لوظيفةٍ ما، وبغض النظر عن وجود موظفين بجدارات ومهارات أعلى في نفس المنظمة لم تتم الاستفادة منهم.

• التواصل الوهمي من خلال بريد غير فعَّال في الإعلان الوظيفي وبذلك يقنن استلام السير الذاتية للمفاضلة عن طريق الإعلان.

• تعقيد الدخول في المنصات المرتبطة بالتوظيف بما لا يسمح بقبول السيرة الذاتية أو الطلب إلا لمَن يعرف أحدًا من داخل المنظومة يستطيع إدخال سيرته على المنصة.

• المقابلات غير النزيهة، ومن لجان متحيّزة للموافقة على مرشح بشكل جماعي أو العكس بدون معايير تفاضلية وحيادية في التقييم.

وغير ذلك من الممارسات اللا مهنية، والتي تتحايل على اللوائح والنظام، وتتسبب في الإضرار بالصالح العام، وتغليب المحسوبية والشللية، ومن ثم الفساد الإداري والمالي.

• تأكيد دور إدارة الالتزام والمراجعة الداخلية على إدارات الموارد البشرية في المؤسسات، وضمن متطلبات الحوكمة، مطلب مهم حتى لا يتبدد رأس المال البشري الذي استثمرت فيه الحكومة منذ سنوات؛ لتستفيد منه اليوم وغدًا.