لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عُرضة للكسر؟ لماذا أصبحنا ننظر لمشاكلنا البسيطة نظرة العجز والسلبية؟ وأن مشكلتك أكبر من قدرتك على التحمُّل، وتشعر بالعجز والانهيار، وتصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها، لا تساوي حجمها في الحقيقة، ثم تغرق في الشعور بالتحطم الروحي والإنهاك النفسي الكامل، وتشعر بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا، وتستسلم لألمك، وتنهار حياتك كلها بسبب هذه المشكلة.
هذا ما يُعرف بالهشاشة النفسية بأنه مشكلة تصيب الكثير منا، وتجعل الفرد عُرضة لأن تسيطر عليه المشاعر السلبية والأزمات النفسية، وتدفعه للتعلق بالآخرين، يظن أنه يحبهم، بينما الحقيقة أنه يعوّض ضعفه من خلالهم، كما تتجلى الهشاشة النفسية في أشكال أخرى في تعاملاتنا اليومية، فنحن نعظّم مشاعرنا، ونجعلها حكمًا نهائيًّا على كل شيء تقريبًا، ونقرِّر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا، ولو بكلمة بسيطة، نكره نقد أفكارنا؛ لأن النقد بالنسبة إلينا أصبح كالهجوم، نعشق اللجوء إلى الأطباء النفسيين في كل شعور سلبي في حياتنا، ونهرع إليهم طلبًا للعلاج، لا نتقبَّل النصيحة، ولا نرغب في أن يحكم أحد علينا، نلتمس العذر لأي خطأ أو إجرام بدعوى أن مرتكبه متأذٍ نفسيًّا، وأصبح مؤخرًا جيل المراهقين والشباب المسمى بجيل رقائق الثلج، وهكذا.. هو الجيل الهشٌّ نفسيا، ويتحطم شعوريًّا مع أول ضغط يواجهه في الحياة، لا يشعر إلا بالضعف ولا يجيد إلا لعب دور الضحية، رقيق الجلد وسريع الانكسار، وتركيبته النفسية خالية من أي هيكل صلب يقوّيها ويدعمها ويساعدها في مواجهة مشاق الحياة، وهو الذي يُطلق على مواليد 1997م نزولًا إلى مواليد الألفينات، بدخول الجامعات أو الاحتكاك بسوق العمل والمجتمع بشكل أوسع، لاحظت الأجيال الأكبر أنّ هذا الجيل يعاني من هشاشة واضحة استدعت انتباهًا من المختصين، ووصل أحيانًا إلى السخرية منهم ومن دلالهم المفرط، بل لاحظ بعض المراقبين أن هذا الجيل يرفض أحيانًا أن يكبر، بمعنى أنه يرفض أن يتولى مسؤوليات مرحلة الرشد، ويظل طفلًا في تعامله مع متطلبات المعيشة، ويتحطم مع أول صدمة حقيقية له مع مشاكل وضغوط الحياة الواقعية، فسمّوا هذه الأزمة (متلازمة بيتر بان) في إشارة إلى عدم رغبة جيل الشباب في النضج، وتصرُّفهم بشكل غير مسؤول أمام واجباتهم الحياتية، ورغبتهم الدائمة في التهرب من أي ثقل واستبعاد أي ضغط من حياتهم؛ ما يجعلهم أطفالًا كبارًا في المجتمع، وقد وضح ذلك من خلال رؤيتي للمشاكل بمواقع التواصل الاجتماعي، وما يتم تداوله عنها، وأنها مشاكل بسيطة يتم حلها بتدريب أنفسنا على المرونة النفسية، وأخذ العبرة من الإخفاقات والنكسات التي تُعدُّ فرصًا للتعلم، بالإضافة إلى احتكاكك بالناس الكبار وذوي الخبرة في الحياة، وأصحاب الإنجازات الكبيرة، كل هذه الأمور تضيف إلى رصيد إدراكك بواقع الحياة، فتُحسن من مهاراتك الاجتماعية، وتضيف إلى خبرتك في التعامل مع المشاكل، وتنظيم الأولويات، وترتيب حياتك؛ الأمر الذي يؤهّلك للنضج النفسي؛ لتكون مستعدًا لطبيعة مرحلة الرشد، وهنا يمكننا النظر إلى حديث النبي ﷺ: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم)، والذي يضيف إليه البعض عبارة: (وإنما الصبر بالتصبر). والمقصود أن الإنسان ينبغي أن يحمل نفسه على تحمّل المشاق وركوب الأهوال وتجاوز المشاكل.