مواطن بلجيكي يُدعى ديستانحين، دأب طوال 20 سنة على عبور الحدود نحو ألمانيا بشكل يومي على دراجته الهوائية، وهو يحمل على ظهره حقيبة ملأى بالتراب، تلك التي أثارت شكوك رجال الحدود الألمان، وفي كل مرة يُقبلون على تفتيشه يجدون أن التراب فقط هو ما يملأ الحقيبة، ومع ذلك كانوا على يقين بأنه يهرّب شيئًا ما.
بعد وفاة السيد ديستانحين وُجدت في مذكراته الجملة التالية «حتى زوجتي لم تعلم أنني بنيت ثروتي على تهريب الدراجات إلى ألمانيا». وهكذا استطاع «ديستانحين» أن يهرّب الدرجات الهوائية من بلجيكا إلى ألمانيا، بطريقة غاية في الذكاء، وذلك عن طريق إلهاء رجال الحدود بأمر الحقيبة وما تضم عن القضية الرئيسة وهي «تهريب الدراجات»؛ ليتحقق عنصر الذكاء والمَثل القائل بـ «ذر الرماد في العيون، وتحويل أنظار الناس عن هدفك الحقيقي»، إضافة للتحايل على القانون.
في الحقيقة أنا لا أعلم لماذا كانت الدراجات ممنوعة في ألمانيا في ذلك الوقت، ويعتبر إدخالها «تهريبًا»، ولست متأكدة من مدى صحة ومصداقية القصة ككل، لكن قصتنا هذه تعتبر مثالًا واضحًا على التحايل على القانون. فلو كان دخول الدراجات لألمانيا ممنوعًا جملةً وتفصيلًا، فلن يُسمح له الدخول بها مهما كان وضعه، لكن كيفية دخوله بها هو الذي يحدد المنع من عدمه. بمعنى أنه لو عبر صديقنا البلجيكي الحدود وهو يحمل الدراجة لاعتبر ذلك تهريبًا يوجب العقاب، أما إذا كانت هي مَن تحمله سيُعتبر استخدامًا شخصيًّا حتى لو أدخلها وخرج بدونها. وهنا استطاع صديقنا استخدام تلك الثغرة في النظام لصالحه.
يُذهلنا البعض بدرجة ذكائه العالية، ونبدأ في تخيّل المكاسب التي بالإمكان الحصول عليها من استثمار عقليات فذة كتلك لصالح البشرية، لكن بالمقابل نستطيع تخيُّل ما يمكن أن تفعله لو استثمرت في مجال الشر أو لمصالح شخصية بحتة، وذلك في تطبيق عملي للمثل القائل: «أنا ومن بعدي الطوفان»، والذي يعني أنني يجب أن أخرج أنا سالمًا ثم ليُغرق الطوفان كل شيء خلفي.
يكرَّس بعض ذوي الذكاء الحاد تلك الميزة لخدمة مصالحهم الشخصية، وفقط مصالحهم الشخصية، لكن ما لا يدركه أولئك الأشخاص أننا جميعًا نعيش في مركب واحد، فإذا حاول أحدهم ثقب ذلك المركب من تحته، وفي المكان الذي يقف فيه هو فقط ليصطاد السمك لنفسه بحجة الحرية الشخصية، فسيغرق المركب بما عليه ومَن عليه وليس هو فقط، ليتحوَّل المثل إلى «إذا أحدثت طوفانًا فسأكون أول الغارقين».
@Wasema