د. ولاء قاسم

معالجة الإدمان باختلاف مادته من الجانب النفسي والتحفيزي فقط، دون وجود أرضية روحانية تجعل الناس يصطدمون بهياكلهم الدفاعية فيقعون ضحايا للتحفيز الزائد وتوقعات غير واقعية عن ذواتهم الفائقة، فينتهون إلى متاهة داخلية وأزقة عمياء يكررون فيها نفس الأنماط القديمة من السلوك، لذلك باعتقادي أن الشفاء يتعذر دون حدوث تحول روحي وارتقاء على مستوى الإدراك، فلا بد من دمج مناهج العلاجين النفسي والعقلاني ووضعها في سياق روحي للتغلب على اليأس والوصول إلى نتائج.

كثيرا ما يكون الإدمان محاولة لملء فراغ داخلي والاتصال بمستوى أعمق من الوجود، أن تصل إلى إضاءة مؤقتة لتعيش بها بعيدا عن الانعكاسات الشاحبة للعالم المادي، الإدمان باختلاف أشكاله هو جزء رئيسي من نظام التوجيه الذاتي البسيط الذي يوضح لنا أن هناك شعورا لا يمكننا تحمله حتى لو كان الشعور بالفراغ، فتشكل مادة الإدمان بمختلف أنواعها مكافأة حب للنفس تساهم في تعزيز الذات.

يمارس البشر أشكالا مختلفة من الإدمان من إدمان الطعام والتسوق والتكديس والميديا إلى أشكال التدخين والمواد الكحولية أو المخدرة لكن النظرة الاجتماعية للإدمان على أنه فشل أخلاقي تساهم كثيرا فيما يعانيه الأشخاص، لذلك لا بد من قمع رغبتنا في الانقضاض على روح تكون أكثر تصدعا من ذواتنا فتلك الرغبة تشكل محور القوى السلبية في الجنس البشري، فالنظر إلى الواقع والتأمل فيه من بعيد لا يماثل إطلاقا بشاعة اختباره فلنتحلى بقدر من الإنسانية والتعاطف.

الاعتراف بالإدمان يتطلب جهودا داخلية كبيرة، لأنك تحتاج لاختراق خطوط دفاعك النفسية والنظر إلى مكامن الضعف في حياتك التي تكون مرتهنا فيها لظروف خارجية أحيانا.

لن تخرج من العتمة بمجرد تخيل النور فلا بد أن تسعى إليه لذلك ابدأ رحلتك بمواجهة حقيقة ما جنيته بعد أن منيت نفسك بفائدة كبيرة، فمشكلة الإدمان أن متعته تتناقص تدريجيا فتضطر لاستخدام كمية أكبر للحصول على نفس التأثير مما يعمق مشكلتك.

تذكر خسائرك والثمن الذي ستدفعه فلا شيء يدفعك إلى تصحيح المسار سوى خطر فقدان كبير يوازي حجم انحرافك عنه، وتذكر أن تمر به من أعراض انسحاب ومعاناة هو استجابة رحيمة من الله تعالى لرغبتك في التشافي وستنتهي بك إلى بر الأمان.

لا تخدع نفسك بخلق حالة من الإغواء تدفعك إلى السلوك غير المسئول من جديد، تذكر أن المنظومة تسعى للبقاء وتحارب تغير أفرادها وتعمل جاهدة لإعادتهم للوضع القديم لذلك اضبط محيطك ليساعدك على الشفاء ولا تتواجد في أماكن تحفزك للنكوص، فمن غير المنطقي أن تضع لنفسك امتحانا لا يمكنك النجاح فيه فهذه مجرد محاولة للهرب من خياراتك الصحيحة، بل احرس إنجازاتك واسقها بماء اليقين.

واجه الخوف الذي يسكنك ولا تسمح له أن يعميك، أنت أقوى من إدمانك وإرادتك ليست رهينة له، إذا اخترت الإدمان فأنت تختار الخوف والشك (الخوف من إدمانك والشك في قدرتك على التخلص منه) فاترك الخوف واختر الحكمة، اختر الوعي واسمح لروحك بالتحرك لتغير واقعك.

معركتك مع الإدمان هي معركة البحث عن السمو الروحي والحياة الواعية التي ستختبرها في أعنف جولات صراعك التي تشافي التيارات السلبية بداخلك.

@Walla Gassim