د. يعن الله الغامدييكتب:

كنتُ من المعجبين بالمسلسل الكرتوني للرسوم المتحركة، والذي كان من أبرز شخصياته الثابتة (قط) أزرق يُدعى توم، (وفأر) بُني اسمه جيري، وكان دائمًا ما يصنع مقالب مضحكة دون أن يقع فريسة لوجبة ساخنة لتوم.

وهذه الأيام يشهد العالم إرهاصات بين صد ورد، وتمزق وتفرق، أمام الحرب الروسية الأوكرانية وهو يواجه خطرًا لم يسلم منه أحد، وإن كانت جاءت لواشنطن كفرصة ذهبية عن طريق حرب روسيا بالوكالة دون خسارة جندي أمريكي واحد، وجعلت من حلف الناتو واجهة للحرب، ووضعت أوكرانيا قربانًا للصراع، بعد أن أعطتها أسلحة تفوق ما تحتاجه في محاولة لإسقاط الدب الروسي من طريقها، وبالتالي فرضية ضلالاتهم الفكرية وهيمنتهم الأحادية.

لقد تجرَّأت دول أوروبا بدرجة غير مسبوقة في تموين أوكرانيا، خاصة بعد انسحاب الروس من محاصرة كييف؛ إذ كان معظم زعماء أوروبا يصيبهم الرعب من أي تصريح روسي، واليوم لا أحد يُنصت لتلك التصاريح، ولا لتلك التهديدات في ظل الضربات المتتالية للأوكرانيين مقابل التراجعات الروسية إلى أن وصلت بهم الجرأة على تفجير جسر كيرتش الذي قاتل الروس حوله عقودًا من أجل تكوين إمبراطوريتهم العظمى المترامية الأطراف.

وما سر تغيير ثمانية من قادة الروس أمام تكالب أكثر من ٥٠ دولة عليه إلا دليل على خطورة الأوضاع الروسية؛ الأمر الذي دعا بوتين إلى التلويح باستخدام السلاح النووي؛ مما جعل الكثير من السياسيين وكبار القادة يشيرون إلى أنه أساء التقدير في زمن سقوط أوكرانيا أول الأمر؛ مما جعله يحاول استرداد هيبة أقوى ترسانة نووية ورهبة ثاني أكبر جيش في العالم.

والحقيقة أن القادم لا يمكن التنبؤ به أمام ذلك الانسحاب تارة والهزيمة تارة، وظهور مؤشرات على تجاوز الخطوط الحمراء التي لم يدركها خبراء السياسة ولا دهماء الإعلام؛ إذ ليس من المعقول أن حلقات هذا المسلسل قاربت النهاية حتى ونحن نقترب من إكمال عام، خاصة في ظل تلك الأوضاع المتشابكة، والتي كما يظهر في الأفق تتحول تدريجيًّا من حرب عسكرية إلى حرب اقتصادية، شرب من مرارتها جميع الأطراف، كانت أوروبا في غِنى عنها يوم كانت مصادر الطاقة الروسية هي السبب في رفاهية واستقرار معظم دولها، فكيف وقد سقط بعض قياداتها، بل ربما تتغيَّر خرائط دول، وبالذات بعد الدخول في نفق فصل الشتاء القارس الذي ينتظره الروس، ويرون مَن يتحمَّس الآن، فربما يتجمد غدًا.

ومن ذلك كله يأتي السؤال المهم: هل دول حلف الناتو ومَن معها تستطيع إسقاط بوتين من على عرشه بواسطة تلك الضربات التي تلقاها، وذلك الحصار الذي يعاني منه، أم أن هناك رأيًا آخر بأن أوروبا أقرب للسقوط بحكم انقطاع مصادر الطاقة، وتذبذب اقتصادها الذي بات يحتضر بارتفاع نسبة التضخم، وحدوث ركود، ومن ثم ثورة الشعوب وأحزاب المعارضة الذين يرون أن أوكرانيا زيلنسكي ليست بدولة أوروبية حتى تحميها، وأن أمريكا هي الأخرى تحركهم وتستخدمهم كبيادق في سبيل تنفيذ أهدافها، ومن أجل تحقيق مصالحها، فهل تعرف مَن يُسقط مَن؟!

@yan1433