محمد الذيابي

لقد تعايشنا بكثرة مع مشاعر الفقد بعباراتها الشعبية الدارجة من كثير من الأصدقاء (مثل يومي قبل يومك أو ما سمع بيومك أو راس يبطي حي)، وتعتبر هذه العبارة الدارجة بالمجتمع العربي تقديرا منهم وتعبيرا عن رغبتهم في إظهار مشاعر المحبة لمن يحبون، وهذه المشاعر قد تكون فطرية بشكل أكبر للأقارب كالأبناء ونحو ذلك وهي من مشاعر الرضا والإحسان والمحبة والوفاء والأمنيات الجميلة.

بالأمس القريب فقدت أغلى حبيب والدي العزيز الصابر المحتسب لله تعالى، وقد فاضت روحه الجميلة لخالقها بعد معاناة مع المرض قاربت عقدين من الزمن، تحمل واحتمل خلالها المواجع والآلام، ولم يشك لغير الله يوما حتى لنا ونحن أقرب الناس إليه، فكلما سألته عن حاله قال (الحمد لله بخير!!!)، كان يسألني عن حالته أناس كثير منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وهم يسألونني بلغة الصحة والقوة ولا يعلمون أن يومهم قبله، وهذه من الأمور التي استوقفتني كثيرا، فلله ما أعطى ولله ما أخذ.

يتغنى الكثير من هواة العشق بمرارة فراق الحبيب وفراق المحبوب وهذه المشاعر لا تتوافق مع مشاعر فقد الوالدين أو أحدهما بسبب الموت، فالأولى قد تكون مشاعر وقتية قد لا يتعايش معها إلا محب من طرف واحد فقط، أما الأخرى فهي مشاعر أبدية تستبيحها المرارة والألم والدمع والهم والذكريات والدعاء واستقبال القبلة والمعزين والمحبين والداعين والكبار والصغار وألسنتهم تلهج بالدعاء للفقيد والدعاء للمحتسب بالصبر والسلوان.

فالموت على قيد الحياة هو الفقد الحقيقي لمن مات وليس لمن ابتعد، وليست هذه تجربتي الوحيدة بل عاشها العديد من المحتسبين.

لحظات الغياب أليمة وموجعة، وحتى لا تنفجر بداخلك يتوجب عليك السماح لدموعها بالهطول ولآهاتها بالخروج ولغصتها بالحديث المتواصل ولحزنها بالسلوان ولشرود ذهنها بالتركيز، فمن المعروف أن الأحزان على الوالدين تحديدا هي الأشد والأعظم والأثقل وقعا على الأبناء من الأشقاء أو من غيرهم، فالمحظوظ من تدارك بقاء والديه فهما باب الاستثمار الحقيقي في الدنيا وحقوق الوالدين من أعظم الحقوق بعد حق الله عز وجل، يقول الله تعالى في محكم كتابه واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا.

ياشين الغياب اللي على الكبد مثل الجرح

غياب الحبيب اللي غيابه مسليني

وانا لو كثرت المدايح وطال الشرح

اواسي الكرم والجود والا يواسيني