د. حنان عابد

بينما كانت الطموحات التكنولوجية قد تعاظمت كثيرا في العقدين الأخيرين، وبلغت تلك الطموحات درجات عالية من شعور الإنسان بأنه قاب قوسين أو أدنى من إدراك حالة استثنائية من علاقة الإنسان بالآلة وللمرة الأولى في التاريخ البشري، تتعالى اليوم الأصوات المحبطة التي تتحدث عن مصير مشكوك فيه حيال قضية تطور التكنولوجيا أكثر بسبب الأزمات العسكرية والسياسية التي يواجهها العالم اليوم.

ومما لا شك فيه أن ما يشهده العالم اليوم من أزمات بيئية مناخية غير مسبوقة، ومن أزمات سياسية وعسكرية عالمية هو أمر لم يشهد العالم له مثيلا في العقود الكثيرة التي جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لذا فلا يمكن الإلقاء باللوم على من يدعون إلى تقليل حجم الطموحات المحتملة في قضية وصول الإنسان إلى تحقيق أثر فعلي وشامل للثورة الصناعية الخامسة المأمولة.

ورغم أن الإنسان لطالما عاش على هذه الأرض في صراعات، ورغم أن الصراعات ليست استثناء في حياة البشرية، فإننا حتى وإن حاولنا أن نخفف من الآثار المحتملة على دخول العالم في أزمات قد تشغله عن إكمال مسيرة الوصول إلى الثورة الصناعية الخامسة بكل أبعادها المأمولة، فإننا لا شك علينا ونحن نسير في خضم كل هذه التفاعلات على مستوى النقاشات عالميا، علينا أن ندرك أن الثورات الصناعية في أصلها كانت حاجات إنسانية ملحة بسبب تطور طبيعة تفاعل الإنسان مع بيئته، ولم تكن ترفا.

واستنادا إلى حقيقة أن الإنسان لا يقوم في الأساس بتطوير الأشياء إلا بسبب احتياجه لذلك التطوير، فإننا يمكن أن نقول بأن أية أزمات عالمية قادمة قد تؤثر على تأخر إنفاذ تحقق الثورة الصناعية الخامسة في حياة الناس كناحية تطبيقية، وليس بالضرورة القضاء على جميع فرص تحقيق هذه الغاية. ومن هنا فالجزم بأن البشرية ستضطر إلى إيقاف عجلة التطوير التكنولوجي بشكل دائم يتناقض مع التاريخ الإنساني الذي لطالما تعلمنا منه كيف أن الإنسان هو نتاج ما يحتاجه، فمظهر الإنسان وملابسه هي نتاج ما أراده من صناعة تلك الملابس، وطبيعة ما يتناوله من طعام هي نتاج ما تمناه، لذا فرحلة الإنسان نحو جعل الحياة أكثر راحة هي رحلة لا يمكن أن تتوقف.

التكنولوجيا الحالية قد تشهد سريعا قفزات كبرى تأخذنا إلى الثورة الصناعية الخامسة، ولكن في حال توقف التطوير مرحليا، فستظل الثورة الصناعية الخامسة ممكنة في مستقبل الإنسان، ولن يتوقف الإنسان عن أن يحلم بالثورة الصناعية الخامسة وصولا ربما إلى العاشرة وما بعدها، لأن عمارة الأرض جزء من تكويننا البشري.

@hananabid10