د. ولاء قاسم

تعرضنا للخيبات قد يدفعنا لحبس أنفسنا في داخل أمان ذواتنا، فندوب القلوب تبني أسوارا وجدرانا حولنا نختبئ بداخلها من الألم بل وأحيانا من الحياة، لكن العزل مؤلم يدمر الروح إنه عقاب المذنبين ولأجله بنيت السجون، لذلك لو تعرضت لإيذاء من الآخرين فمن حقك أن توفر لنفسك دروعا عاطفية لكن تأكد ألا تكون ثقيلة فتعيق حركتك وترجعك إلى تجارب بدائية من الخوف والعزلة فتعيش على هامش الحياة.

نحن لسنا فقاعات من الصابون لنخشى من الصدام الذي يجعلنا نتلاشى بل نحن أرواح نتوكأ على بعضنا البعض لنجتاز الحياة، قد يرافق تفاعلاتنا بعض الزلات والهفوات نتيجة ثوراتنا وزوابعنا الداخلية فذلك نتاج طبيعي للحالة الإنسانية فلسنا ملائكة بصفحات بيضاء لا مكان فيها لنقص أو خطأ.

في حال أخطأت في حق من تحبهم فلا تستسلم لنزعة الرثاء للذات التي نميل إليها نحن البشر، لنخفف من وقع أخطائنا على أنفسنا ونقلص مسؤوليتنا عن الأحداث ونعتبر أننا ضحايا، ونسعى للبراءة ولو بالمراوغة، فنتنازل عن علاقات تغذي أرواحنا لصالح مسار أقل نضجا يخدم البارانويا الخاصة بنا.

بدلا عن ذلك لنمنح طبائعنا السائدة بعض الاستثناء ونبادر للاعتذار فالاعتذار من شيم النبلاء وهو فرصة للنمو والتطور.

قد تظن أن كلمة آسف كافية لتعود المياه إلى مجاريها وتتخلص من شعور الذنب الذي يلتهمك بعد إيذاء أحدهم، فتكتفي بها حفاظا على هالة العظمة التي تحيط بها نفسك أو تتبعها أحيانا ببعض التبريرات الواهية فالتبرير إحدى الحيل النفسية المنتشرة لدى البشر، لكن ذلك يزيد من كسرة القلب وحرقة الدواخل فالاعتذار غير اللائق أشبه بتطهير الجرح بالملح.

لغة اعتذارك لا بد من أن تشتمل على عبارات عاطفية صادقة توضح ما تستشعره من الندم على ما صدر منك وعلى إيذائك لمشاعر الآخرين وما انتابهم من ألم بسببك، ولا تتبع عباراتك تلك بسرد للدوافع والحجج التي ساقتك إلى فعلتك فتنسف اعتذارك ببساطة. اجعلهم يستشفون منه تعاطفك وفهمك للبعد المشاعري للموقف وإدراكك لخرائطهم النفسية.

بعض الأشخاص ينتظرون منك الإقرار والاعتراف بالخطأ وأن توضح أنك على استعداد لتحمل المسئولية الكاملة عما تسببت به بقولك أو فعلك وقد ينتظر منك الشخص الذي تسببت بإيذائه تعويضا، تصحح به الأوضاع سواء كان ماديا بالهدايا أو تقديم الخدمات أو معنويا بكلمات الحب والتقدير.

قد تلمح في عيني الناس عدم تصديق اعتذارك في حال لم يشتمل اعتذارك على رغبة صادقة في تغيير السلوك وخطة واضحة تضمن عدم تكراره، طلب الغفران هو ما يؤكد على جديتك في الاعتذار، الاعتذار الأمين والغفران الصادق سيكونان سببا لإزالة الحواجز العاطفية التي سببتها الأخطاء وترميم العلاقة وزرع بذور الثقة من جديد.

الاعتذار لا يفيد المتلقي فقط، ولكنه مفيد للمانح أيضا، فيمكن للآثار المنهكة للندم الذي قد نشعر به عندما نؤذي شخصا آخر أن تهدد صحتنا العاطفية والنفسية، لكن من خلال الاعتذار وتحمل مسؤولية أفعالنا، فإننا نساعد أنفسنا ونخلصها من فقدان الاحترام والتوبيخ الذاتي والشعور بالذنب. عندما نطور شجاعتنا للاعتراف بأننا مخطئون ونسعى للاعتذار، رغم مقاومتنا المحتملة لذلك، فإننا ننمي إحساسا عميقا باحترام الذات وقد تجف بركة كاملة من الهموم في ضوء اعتراف صادق وساطع.

@wallaabdallagas