اليوم ـ وكالات

تعتمد مصر، التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة، بشكل كبير على استيراد الغذاء، وتعد أكبر مستورد للقمح في العالم، ويقتصر إنتاجها الزراعي إلى حد كبير على وادي النيل، حيث يمكن أن تكون المياه شحيحة وتكافح الحكومة لمنع الناس من البناء على الأراضي الصالحة للزراعة.

وأظهر تقرير للبنك الدولي نُشر هذا الشهر، أن مصر هي خامس دولة على الصعيد العالمي عرضة للتأثير الاقتصادي لارتفاع مستوى سطح البحر على المدن، وسط وجود مخاطر على الزراعة ومياه الشرب من الفيضانات والتعرية وتسرب المياه المالحة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغيرات المناخية.

مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم- مشاع إبداعي

زيادة ملوحة التربة جعل المزارعين يتخلون عن زراعة الطماطم

بدأ عماد عطية رمضان، زراعة الأرز في قطعة أرض مساحتها 12 فدانًا على أطراف مدينة دمياط المصرية، متخليًا عن زراعة الطماطم التي لم تعد تنمو جيدًا في تربة زادت ملوحتها بشكل كبير قرب ساحل البحر المتوسط.

يقول رمضان وهو يجمع العشب البري من أرضه ويتحقق من علامات تراكم الملح بها، إن الأرز يُباع بسعر أقل، لكن مياه الري المستخدمة لزراعته تساعد في تطهير الأرض من الملح، ما يعطيه الفرصة للنمو.

رمضان هو واحد من عشرات الآلاف المزارعين الذين يكافحون للتكيف مع زحف الملوحة في دلتا النيل، وهي مثلث أخضر خصب مكتظ بالسكان ويتجه نحو البحر إلى الشمال من القاهرة ويمثل أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في مصر.

وأضاف رمضان: الأرض لو سبتيها 10 أيام من غير ما تشرب تلاقيها طردت ملوحة على وش الأرض.

ارتفاع ملوحة التربة يؤثر على المحاصيل الزراعية- مشاع إبداعي

زيادة ملوحة التربة في الدلتا سنويًا

على حدود أرض رمضان، يوجد حقل أصفر جاف قاحل بسبب الملوحة، وحاول استخدام المواد الكيميائية دون تأثير يذكر، وأكد أن ملوحة التربة تزداد كل عام.

يقول خبراء ومزارعون إن ارتفاع الملوحة في الدلتا له أسباب متعددة، بما في ذلك الإفراط في استخراج المياه الجوفية واستخدام الأسمدة ومبيدات الآفات.

لكنهم يقولون إن الأمر يزداد سوءا بسبب تغير المناخ الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع مستويات سطح البحر ودرجات الحرارة في مصر، وهو موضوع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) الذي تستضيفه البلاد هذا الأسبوع.

4 مليارات شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر

تتضمن قمة المناخ المنعقدة بمدينة شرم الشيخ المصرية، خططا لمساعدة 4 مليارات شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر، جنبا إلى جنب مع تحديد أهداف أكثر صرامة بشأن الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ويقول علي أبو سبع، المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، إنه بالنسبة لمزارعي الدلتا، تتراوح خيارات التكيف من إنشاء أحواض زراعة مرتفعة، أو استخدام قوالب الزراعة الطولية، لتحسين كفاءة الري والصرف، إلى استخدام سلالات بذور جديدة.

تحسين كفاءة الري والصرف واستخدام سلالات بذور جديدة يحسن الإنتاج- مشاع إبداعي

أحواض الزراعة المرتفعة توفر الأسمدة والمياه وتضاعف إنتاجية القمح

قال وائل السيد، وهو مزارع في شرق الدلتا بالقرب من مدينة الزقازيق، إن الأحواض المرتفعة ساعدته في توفير الأسمدة والمياه، وضاعفت إنتاجية محصول القمح.

لكن البعض الآخر يكافح من أجل معالجة التربة وغسلها وهم يقومون بتجربة محاصيل جديدة أو يعتمدون على الدورات الزراعية.

قرب مدينة سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ، على بعد حوالي 28 كيلومترا إلى الجنوب من البحر، أشار إبراهيم عبد الوهاب، وهو مهندس زراعي يدير أراضي 15 مزارعا من أصحاب الحيازات الصغيرة، إلى قطعة أرض مليئة ببقع من التربة الجرداء ونبتات القطن التي تغير لونها تأثرا بحروق الملح.

هطول الأمطار ونقص المياه الصالحة يجعل الزراعة أكثر صعوبة

منذ حوالي عقد من الزمان، كانت الطماطم والخيار والبطيخ والأناناس تُزرع على نفس تلك الأرض، ولكن الآن يتم زراعة المحاصيل الأكثر تحملا للملوحة مثل القطن والبنجر والأرز.

وقال عبد الوهاب إن عدم انتظام هطول الأمطار ونقص المياه الصالحة للري جعل الزراعة أكثر صعوبة.

زيادة الملوحة فى تربة الدلتا يؤثر على الزراعة بشكل كبير- مشاع إبداعي


وأضاف عبد الوهاب أن الملوحة تجعله يحتاج إلى غرس ضعف كمية البذور واستخدام سماد إضافي لتحقيق كثافة المحاصيل الطبيعية، لكن الإنتاجية لا تزال متأثرة.

انخفاض المحاصيل الغذائية بنسبة 10% في 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة

من المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل الغذائية في مصر بأكثر من 10% بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وزيادة ملوحة مياه الري، وفقا لورقة بحثية نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية العام الماضي. وتشير بعض الدراسات إلى أن التأثير في منطقة الدلتا قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

وارتفعت مستويات سطح البحر في مصر بمقدار 3.2 ملليمتر سنويا منذ عام 2012، مما يهدد بفيضان وتآكل الشاطئ الشمالي للدلتا ودفع المياه المالحة إلى التربة والمياه الجوفية التي يستخدمها المزارعون للري.

ارتفاع درجات الحرارة يؤدي لتسريع عملية التبخر وزيادة تركيز الأملاح

تعمل درجات الحرارة المرتفعة على تسريع عملية التبخر، مما يؤدي إلى زيادة تركيز الأملاح.

فعلى مدار الـ30 عاما الماضية، زادت درجات الحرارة في مصر بمقدار 0.4 درجة مئوية لكل عقد، وفقا لبيانات من وحدة أبحاث المناخ بجامعة إيست أنجليا.

ارتفاع درجات الحرارة يؤدي لتسريع عملية التبخر وزيادة تركيز الأملاح- د ب أ

وتُظهر بيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ارتفاع درجة حرارة شمال أفريقيا بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، مقارنة بفترة 1995-2014.

ويقول العلماء إن الملوحة تختلف من مكان إلى آخر ومن الصعب قياس المساهمة الدقيقة لتغير المناخ.

الملوحة تؤثر على 15% من الأراضي الصالحة للزراعة في الدلتا

تؤثر الملوحة بالفعل على 15% من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة في الدلتا، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومن المتوقع أن تزحف جنوبا.

وقال محمد عبد المنعم أحد كبار مستشاري المنظمة: مع مرور الوقت ومع ارتفاع مستوى سطح البحر ستتغلغل الملوحة إلى الدلتا. وسوف تتعمق أكثر.

وتشير دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة الاستدامة إلى أن 60% من مساحة 450 كيلومترا مربعا في شمال شرق الدلتا ستتأثر سلبا بنهاية القرن بارتفاع نسب المياه الجوفية المرتبط بارتفاع مستوى سطح البحر.

وتقول كلوديا رينجلر، خبيرة الموارد المائية والسياسة الزراعية في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، إن الأمر يمثل تحديا لا سيما في وادي النيل بسبب المناخ الصحراوي الجاف.

وأضافت يتوجب القيام بعمل أفضل بكثير في مكان مثل دلتا النيل لأن الماء يتبخر بسرعة.

الحكومة المصرية تفرض قيودا على زراعة الأرز فى الدلتا بسبب شح المياه

تساعد زراعة الأرز في غسل التربة، لكن الحكومة المصرية فرضت قيودا على المحصول في أجزاء من الدلتا بسبب شح المياه، فى محاولة للتكيف مع التغيرات المناخية.

وبالقرب من مدينة المنصورة، إلى الشمال الشرقي من القاهرة وعلى بعد نحو 70 كيلومترا من الساحل، قال المهندس الزراعي ومدير الأراضي الزراعية حسام العزباوي، إنه حتى بالنسبة لمحصول أكثر تحملا للملوحة مثل البنجر، يمكن أن تنخفض الغلة بأكثر من النصف في المناطق المتأثرة بالملوحة.

الحكومة المصرية تفرض قيود على زراعة الأرزفى الدلتا بسبب الشح المائي- مشاع إبداعي

وفي بعض الأراضي التي يديرها، تحول العزباوي إلى زراعة القطن، النبتة التي تمتد جذورها أعمق إلى تربة أقل ملوحة.

وأكد العزباوي، أنه أجرى هذا العام، تجارب لسلالة جديدة من الأرز تزيد المحصول بنسبة 18% في حقول الأرض المتشققة والمليئة بالأملاح.