أ. د. هاني القحطاني

hanih@iau.edu.sa

ثلاثة أحداث شكَّلت العناوين الأبرز لهذا الأسبوع. ففي مشرق العالم، استضافت إندونيسيا قمة الدول العشرين الأقوى اقتصادًا في العالم.

كانت أزمة الطاقة والغذاء في العالم هي أهم جدول أعمال القمة. غير أن شبح الحرب في أوكرانيا قد ألقى بظلاله على القمة؛ مما جعل هذين الموضوعَين، إضافة إلى الاحتباس الحراري والتخفيف من الانبعاثات الأحفورية، والتصعيد، والتصعيد المضاد في بحر الصين الجنوبي، لا تلقى الاهتمام الكافي الذي كان مخططًا لها. كما أن التراشق الإعلامي بين روسيا، التي اكتفت بإرسال وزير خارجيتها إلى القمة بدلًا من رئيسها ودول حلف النيتو، قد أخذ حيِّزًا أكبر من الاهتمام الإعلامي على حساب ما عُقدت القمة من أجله. وعلى أية حال، فقد أثار اللقاء الودي بين الرئيسين الأمريكي والصيني أجواء من التفاؤل خيَّم على أجواء القمة في نهايتها.

ولعل ما أضفى البهجة عليها هو الجانب الاحتفالي الذي رافق القمة. فقد أبدع البلد المضيف في تقديم صورة ثقافية مشرفة عن أكبر دول العالم الإسلامي سكانًا في حُلَّة إندونيسية بنكهة إسلامية تبعث على الاحترام.

الحدث الثاني مرتبط مباشرة بالأول، ففي تقرير للأمم المتحدة، تجاوز سكان العالم هذا الأسبوع حاجز الـ8 مليارات نسمة. هذا ليس خبرًا سياسيًّا، وبالتالي فإن تأثيره الآني على أحداث العالم لا يكاد يُذكر. هذا صحيح على المدى القريب، ولكن آثاره على المستوى البعيد في غاية الأهمية.

وذكر التقرير أن الهند ستتجاوز الصين في العام القادم كأكثر دول العالم سكانًا. ويا لها من مفارقة أن يتجاور البلدان وهما أيضًا - إضافة إلى مصر والعراق - أقدم بلدان العالم، ولنا أن نتخيَّل كيف كان يمكن أن يكون تاريخ العالم لو لم تفصل بينهما سلسلة جبال الهامالايا. وجاء في التقرير أيضًا أن أفريقيا ستكون هي محرك ومقصد التنمية البشرية في العقود القادمة.

ما زال علم السكان، وما ارتبط به من دراسات لم يلقَ الاهتمام الكافي من الدراسات الحديثة، سواء في بُعدها التاريخي أو المعاصر. ولأن الإنسان هو محور التنمية فإن توافر الدراسات السكانية، والتخطيط بناءً عليها يساعد كثيرًا في رسم سياسة تنموية ناجعة لكل بلد.

أما الحدث الثالث فهو عن مونديال العرب؛ إذ سينطلق مساء الغد أكبر عُرس كروي يشهده الخليج والمنطقة العربية برمتها. ولا حديث للخليج اليوم سوى كرة القدم. فحيثما اتجهت في الشوارع والساحات والفنادق والمقاهي، وعلى شاشات التلفاز، ترى أعلام الدول وصور لاعبيها، وشعار المونديال حاضرًا في كل مكان. وعلى مدى شهر كامل سوف تسلّط الأعين من كافة أنحاء العالم على الخليج عمومًا، وعلى الدولة المضيفة، ليس لمتابعة النزالات الكروية فقط، وهو ما أقيمت الدورة من أجله، ولكن لرؤية هذا الجزء من العالم الذي يحرِّك كافة أصقاع العالم بطاقاته التي حباه الله إياها.

والحديث عن بطولة كأس العالم حديث ذو شجون. ستكون المباريات بكل ما يصاحبها من توقعات ومراهنات، وتشجيع وأفراح المنتصر وأتراح المنكسر هي الشغل الشاغل لمتابعي هذا الحدث الكروي الكبير.

ولأننا في الخليج بلد واحد وشعب واحد، وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، فإن هذه البطولة ستبقى الأغلى والأهم في الذاكرة. وكل الدلائل تشير إلى دورة استثنائية ناجحة ها هي ملامحها تلوح في الأفق.

كرة القدم رياضة شعبية لا تقاربها رياضة أخرى في العالم. إن بساطة اللعبة، وسهولة ممارستها ومتعتها قد جعلت منها حدثًا سوسيولوجيًّا يميز الحياة المعاصرة في كل أرجاء المعمورة. هكذا كانت، وهكذا يجب أن تبقى، بعيدة عن أي إسقاطات سياسية كانت أم ثقافية. وعلى مدى شهر كامل وفي هذه الزاوية سوف نستعيد صفحات خالدة من تاريخ هذه الدورة التي لا تنمحي من الذاكرة.