فهد الصقري

يتغير وجه العالم يوما بعد يوم، وتتبدل هويته الخارجية بصورة مستمرة، ساعة بعد ساعة، ومع ازدياد سعي الإنسان إلى الشهرة، والثراء، والمكاسب السلطوية، تحولت المجاملة من سلوك محبب لابد منه في علاقاتنا الاجتماعية إلى نفاق مبطن يقد أواصر العلاقات، ويشوه أجنة المحبة القابعة في نفوس أبناء الجلدة الواحدة.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تكاد تكون في مضمونها أبعد ما يكون عن التواصل، بات النفاق أمرا ضروريا لأشخاص يسيرون مع الركب المنافق دونما وعي منهم، فيمدحون هذا، ويعلون من قدر ذاك في تعليقاتهم، وردودهم آملين بذلك أن يحصلوا على مصلحة شخصية، أو مكاسب مادية.

هؤلاء الأشخاص أنفسهم الذين سرعان ما تتبدل وجوههم، وتماط أقنعتهم عندما تتوج سلوكياتهم بوصولهم إلى المصلحة المرجوة بعد أن سلكوا طرق الكذب، وسكك التملق، والنفاق ليدل ذلك على انعدام القيم، والمبادئ، والتربية الأخلاقية من جهة، وعلى الصفات الانتهازية التي يتصف بها هؤلاء من جهة أخرى..

وعلى صعيد آخر فقد أضحى التلون، والتقلب، وتحكيم المزاج، وتبديل الكلمات، والعبارات بما يتناسب مع مصلحة المنافق الشخصية، أمرا مكروها، مرفوضا بين قلة من أفراد المجتمع الذين ما زالوا يؤمنون بأنفسهم، وقيمهم، وبأهمية صدق الإنسان مع نفسه، ونقاء سريرته في تعامله مع الآخرين.

ولأن ثوب المجاملة يشبه إلى حد ما ثوب النفاق، فقد يختلط الأمر على البعض أحيانا، لا سيما، وأن المجاملة تعتمد على الكلام المعسول، والمنتقى بعناية، وعلى الوجه الضاحك المبتسم في حضور الآخرين، غير أننا، وفي حال امتلكنا عقلا منفتحا، ووعيا حاضرا، أضحى التفريق بين النفاق القائم على المصلحة، والمجاملة القائمة على المحبة أمرا يسيرا لا يحتاج إلا لعين فطينة، وذهن متقد.

وإذا افترضنا أن النفاق ظاهرة منبوذة سنعلم أن سبب نبذها يكمن في الزيف، والجوهر الرديء الذي يتسم به أصحابها، فنراهم يقولون ما لا يفعلون، ويعيشون حياة مختلفة عن الحياة التي يروجون أمام الناس أنهم يعيشونها، يطلقون المبادئ، ولا يلتزمون بها، يتمسكون بك عند الحاجة إليك، ويدفعون بك بعد الانتهاء منك، يتظاهرون بالثراء رغم سوء أحوالهم، يظهرون بهيئة، ويستترون خلف أخرى. يبدلون مواقفهم، ومبادئهم تبعا لهواهم، وما تقتضيه حاجاتهم الحالية.

وبتمعن قصير منك الآن، سيسترجع عقلك صورة شخص واحد على الأقل ممن يحيطون بك، يتسم بالنفاق، والتملق فتذكر محاولاته الحثيثة لإيهام من حوله بثقل مكانته، وقيمته العالية، وسلطته اللامحدودة ثم لا يلبث أن يكشف بموقف بسيط ليتجرد من أقواله، وليقع في شر ألاعيبه، ومكائده.

فكم من منافق تجمل على الفقراء بفضلة ملابسه، وأطباقه، ومقتنياته ثم أهدى ميسوري الحال أفخم الهدايا، وأجمل الهبات رغم أنهم ليسوا بحاجة إليها على الإطلاق !!

ليترك بسلوكه ذاك المجتمع منقسما بين منافق مزيف يبث الحقد، والكراهية، وبين شخص صادق يتملكه الشعور بالاستياء، والامتعاض من أفعال المنافقين، فيتحول المجتمع بذلك إلى مجتمع وهمي أجوف، يخلو من القيم السامية التي جبلنا عليها، فتتسيد المكيدة، وتتربع الضغينة على نفوس أبناء المجتمع الواحد.

أخيرا لا بد لنا من الإضاءة على زجر القرآن الكريم، ونبذ تعاليم السيرة النبوية الشريفة لأصحاب الأقنعة المنافقة، وتجاهل سلوكياتهم قدر المستطاع، بل وكشف ألاعيبهم في حال استدعى الأمر، وغلبت الحاجة مع ضرورة الحفاظ على السلام الداخلي، والمحبة الجامعة، لأن النار ببساطة لا تخمد بنار مثلها.

وقد وجب على كل منا، على اختلاف منابرنا، وتباين منصاتنا إعلاء كلمة الحق، والتدليل على هذا السلوك المنبوذ المشين، وفضح ألاعيب المنافقين، وإيقافهم عند حدودهم لنحافظ جميعا على صحة المجتمع، وضمان تقدمه لنخلق بذلك بيئة سليمة، صحية، يانعة، وآمنة.

al_sagre@