بشاير راضي الميل

لطالما اعتقدنا بمعرفتنا التامة للأشخاص وتوهمنا بأننا ملمون بجوانب شخصياتهم ومدركون لأفكارهم وتصرفاتهم ووضعناهم في إطار لا ينتمون له، لا تثق كثيرا بمعرفتك للبشر فقلوب الناس كالساعة كل دقيقة تمر يختلف الوقت وحال البشر، كل يوم بمشاعر مختلفة ونمط محدد يتبعونه لتزييف عواطفهم في كل لحظة، كبذلة رسمية قد تليق بشخص وتجعله يبدو مبهرا ومشرقا، وقد يرتديها أيضا وهو بائس ومنطفئ حيث لا توجد نظرة حقيقية تجعلك ترى الأمر كما هو دائما نرى من زاوية واحدة، نراه مشرقا ولامعا، لكنه يشعر بعكس ذلك بأنها لا تليق به.

أتذكر ذلك الشخص جيدا يحمل بين جنبيه ملء الأرض من حنان، يرضى بأقل الأشياء رقيق كلمسة طفل، حنون كظل شجرة، يحمل الصقيع بداخله، كلتا يديه مليئة بالجروح ويداوي جرحك لا أحد يرى أنه مستنزف ويحمل العديد من الكلمات التي جعلته ينزف ليالي عدة حتى أصبح مليئا بالصمت، ولا يوجد من يصدق أن حروبا تدور بداخله وحطاما لا يستطيع ترميمه، يرتكب العديد من الحماقات، يتخلى عمن يحبه، يخفي مشاعره عن نفسه أيضا، غامض مستسلم لكل ما يحدث، مثل ذلك النجم الوحيد الذي فقد ضوءه الأخير، ومع كل هذا يبتسم ولا يظهر جزءا مما يشعر به.

لذلك نحن مشفرون لا يمكن فهمنا بسرعة والتشفير كالمفتاح الذي يمكنك من خلاله إخفاء شعورك أو ما تعكسه روحك أو تغيير معلومة عنك حيث إن الشفرة عبارة عن طريقة تغيير محتوى لإخفاء معناه الأصلي وفي حياة كل منا قصص لا يرويها، سقطات داخلية لا يخبرها لأحد، حرب ملغمة لا يعلم متى تنتهي، أحزان متراكمة، عواطف مخفية، ومن الممكن أن يحترق وهو بجوارك دون أثر، والكثير من الأوقات الصعبة يعيشها الإنسان وبالنظر للظروف الهائلة التي نمر بها دائما ما نعتقد أن التشفير خطوة تنقذنا وتجعلنا نتشافى أو نتناسى لكنها في الحقيقة مجرد تجاهل لوقت قصير ومن بعدها تخرج الأمور عن السيطرة ونواجه جروحا عديدة.

دائما يحق لك بين الحين والآخر الذبول والانهيار وتوضيح مشاعرك بكل حرية وعليك أن تكون حنونا على نفسك وعلى غيرك حيث لا فكرة لديك عن دواخل الناس وحقيقتهم التامة تكمن في الجزء الذي يخفونه في العمق الذي ليس بوسع أحد أن يصل إليه، الوعي بذلك يكسبك حكمة التعامل مع البشر باختلافهم فلكل إنسان عالم بداخله وستدرك مع الوقت مقولة مصطفى الرافعي إن في كل إنسان تعرفه إنسانا لا تعرفه.

beshx59@