يتدخل في كل شيء وأي شيء، وهمه الأكبر هو معرفة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، لتكون له مادة دسمة يفتتح بها قناة لسانه، فيبث الأخبار تلو الأخبار، والأسرار تلو الأسرار، فهو كهاتف عملة، لا يعمل إلا إذا شحن نفسه بأسرار الناس وخصوصياتهم. إنه يا سادة الفضولي الثرثار!
الفضولي الثرثار يزداد من حيث نوعه في المجتمعات، وخصوصا مع تقدم وتطور وسائل التكنولوجيا، فهي - مع بالغ الأسف - عامل كبير ومؤثر يساعده في تتبع أخبار الناس ومعرفة أسرارهم. وفضوله ليس من النوع الحميد المرغوب، ودوافعه لا تمت بصلة لمفردة الأخلاق بكل معانيها وسموها والتي تأنف وتزدري وتلفظ من هم على هذه الشاكلة.
ومع انتشار استخدام برامج التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بين بني الإنسان، جعل لهذه الفئة حظوة وزلفى بين الناس، ومنهم من أصبح أيقونة في عالم السوشيال ميديا يتابعه الكثيرون ويقلدونه في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته، فهو قدوة ومثل يحتذى به عندهم، وأخشى ما أخشاه أن يفرخ لنا هذا الكائن الفضولي كائنات تشبهه ومستنسخة منه، ويمكن أن تتطور وتفوقه فضولا وثرثرة.
نحن كمنتمين لهذا المجتمع تقع على عاتقنا مسؤولية مقاومة هذا الكائن المريض، وذلك باستخدام الطرق السلمية معه، كالاعتذار عن الإجابة عن أسئلته، أو تقديم إجابات مبهمة وغير واضحة له في حالة تعذر الاعتذار، أو إعادة سؤاله، أو صياغة سؤال بطريقة مشابهة لسؤاله، وهناك طريقة الإجابات الدبلوماسية وهي طريقة مفتوحة ومرنة بحسب الزمان والموقف والخبرة، وآخر الطرق السلمية معه هي أن نظهر له أنفسنا في وضعية المشغول، فلربما تكون رادعة لفضوله وثرثرته، فيسكت عن السؤال أو يغادر المكان، وإن لم تجد كل تلك المحاولات نفعا، فعلينا بالطرق التي تتسم ببعض الصلافة والقسوة وربما التصادم إن بالغ في الفضول، وأدنى تلك الطرق الصراحة معه بسؤاله: هل تتوقع منا أن نجيب عن سؤالك هذا؟!، أو أن نقول له: إن علاقتنا معك لا تصل إلى هذا الحد كي نجيب عن سؤالك، وإذا لم يتوقف عن الثرثرة والفضول نرفع مستوى القسوة معه، فنسخر من سؤاله لا منه، أو أن نقول له بأننا لن نجيب عن هكذا نوعية من الأسئلة، وإن أصر فتركه ومغادرة المكان أمر حسن معه في هذه المرحلة.
تكاتف المجتمع في مواجهة هؤلاء الفضوليين الثرثارين أمر في غاية الأهمية وقضية لا مفر منها، حتى لا يجدوا بيئة حاضنة لهم، وحتى يشعروا بأنهم منبوذون وغير مرحب بهم، فيتوقفوا على أقل تقدير عن التدخل في أمور الناس الشخصية وحياتهم الخاصة.
أنت أيها الفضولي الثرثار ! نصف سعادتك وراحة بالك في ترك هذه المهنة المقيتة، وعليك أن تبحث عن النصف الآخر.
mohsen283@