ما أقصر هذه الحياة، وإن بدت سنين طوالًا ثقالًا، وركض في مناكبها وبيدها وبحورها وغرابيبها السود.
لكل أجل كتاب، وكان أمر الله مقضيًّا..
يوم الأربعاء رحل عتيق الخماس، وأفل أحد ألمع نجوم «اليوم» والمنطقة الشرقية.
ودَّعه المشيّعون بدمع سخي، ودعاء من القلب أن يرحمه الله ويجزيه حسن الثواب؛ لما قدَّمه لنا ولبلادنا.
رحل أبو فرحان عن هذه الدنيا، وترك لنا مكابدتها وليالي العناء..
كان أشهر شخوص «اليوم» لأربعين عامًا، وعرفته الصحيفة لأكثر من نصف عمرها، مراسلًا ومحررًا ورئيسًا لأقسام، ومديرًا للتحرير، ونائبًا لرئيس التحرير، ورئيسًا للتحرير بالوكالة لسنوات.
كنا نضرب بأبي فرحان الأمثال في لطفه وصمته وصبره، وهو يكظم الغيظ، ويعالج أعصى المشاكل بهدوء ونفَس طويل، وكثيرًا ما تنجح مراهناته على أن الوقت حل لكثير من المعضلات. ونادرًا ما يخذله الوقت. ووجدنا أن صبر أبي فرحان وجلده عامل مهم في أن يكون الوقت مبدعًا وخلاقًا وحلًّا.
لا أحد في «اليوم» كان يخاصم أبا فرحان؛ لأنه شديد الحياء، كريم، يسامح ويعفو، نظيف اليد واللسان، ويعامل الكل بالمساواة، من مديري التحرير إلى عمال المكاتب، لهذا كان، رحمه الله، صديقًا وحبيبًا وقريبًا من كل قلب.
ولا أستغرب حينما تقاعد وودَّع مكاتب «اليوم»، كان العمال هم الأكثر سؤالًا عنه وعن صحته وأحواله.
وكنا نتعجب كيف لا يوجد خصوم لأبي فرحان، وهو يمضي أيامه، وأكثر من نصف عمره في معالجة المشاكل الإدارية الداخلية والصحفية، وأطوار وزارة الإعلام، والثقلاء والملاقيف، ويتعامل مع متهورين ومتغطرسين. وكان هذا يتطلب جلدًا وكياسة وصبرًا، وأنه يداوم 12 ساعة يوميًّا، وبلا إجازات، ويخرج دائمًا بحلول مبدعة ترضي الجميع، وهو يزداد احترامًا ويكبر بالعيون.
رحم الله أبا فرحان، وغفر له، وضاعف حسناته، وأسكنه الجنات، والعزاء لأبنائه وأسرته وللزملاء في «اليوم»، ولمحبيه في كل الأرض.
* وتر
الدنيا المخاتلة.. تلتهم الأجساد، لا تفرق ولا تبالي
شيمتها الغدر.. إذ تسل خناجرها..
وتطعن بالظهر..
طوبى للمتلقين الصحائف باليمين، الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس
@malanzi3