يرى المحلل الأمريكي يانوش بوجاجسكي أن إعادة انتخاب الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف في العشرين من الشهر الماضي ،أكدت أن الدولة الواقعة في آسيا الوسطى سوف تواصل سياسة خارجية مستقلة، ولم تف الانتخابات بكل معايير الديمقراطية الغربية ،لكن السياسات التي انتهجتها أستانا تعكس بشكل دقيق رغبة الشعب في تجنب التبعية السياسية والاقتصادية لروسيا والصين. وقال بوجاجسكي ، استاذ العلوم السياسية في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه بينما تسعى موسكو وبكين إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب تدور فيه دول أصغر في فلك قوى أكبر وتصبح تابعة لها ، تنتهج كازاخستان سياسة خارجية متعددة القوى الموجهة تقوم على أساس علاقات ودية مع كل الدول حتى تمنع وقوعها تحت نفوذ دولة أخرى. و تعتبر سياسة أستانا متعددة القوى الموجهة التي أرساها مؤسس كازاخستان الرئيس نور سلطان نزارباييف بعد حصول البلاد على استقلالها في عام استراتيجية شكلها موقعها الجيوسياسي. وكازاخستان والدول الأربع الأخرى في آسيا الوسطي معزولة جغرافيا وتطوقها روسيا والصين وافغانستان وإيران ، التي لها جميعا مصالح متضاربة ونفوذ في المنطقة . وتابع بوجاجسكي أن الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين قام بترسيم حدود كازاخستان بينما كان يعيش في مناطق رئيسية في البلاد ، وخاصة في الشمال ، مستوطنون يتحدثون اللغة الروسية كانوا غالبا أكثر ولاء لموسكو مما كانوا للدولة الوليدة ، ومن ثم يقدم وجودهم ذريعة للكرملين للتدخل في سيادة كازاخستان. وأصبحت كازاخستان تتحمل مسؤولية اثنتين من أكبر مناطق الكوارث البيئية على كوكب الأرض ، وهما بحر ارال ، الذي جف جراء مشروع في عهد ستالين لشق قنوات للري لزراعة مساحات كبيرة من القطن ، وموقع التجارب النووية سيميبالاتنيسك. وكان يتعين على كازاخستان إدارة الضغوط الخارجية والتحديات الديموجرافية الداخلية والاجتماعية والاقتصادية للحفاظ على سيادتها لتنمية اقتصادها. وورثت أستانا أيضا رابع أكبر ترسانة نووية في العالم لم تستطع تحملها أو الاحتفاظ بها ، الأمر الذي تطلب عملية نزع سلاح باهظة التكاليف. وذكر بوجاجسكي ، وهو زميل في مؤسسة جيمستون في واشنطن للدراسات السياسية والأمنية في منطقة أوراسيا. ، أن استراتيجية السياسة الخارجية التي طبقها نزار باييف، مكنت البلاد من التنمية بشكل سلمي من خلال العديد من الأهداف العملية . وكان الهدف الأول جذب استثمارات بدون الوقوع في شرك تبعيات جديدة . وتمكنت أستانا من تأمين اتفاقيات استثمارية هامة مع الغرب حفزت نموا اقتصاديا ضخما من خلال صناعة الهيدروكربونات. وواصلت الحكومة الحالية هذه السياسة في جهودها لجذب الشركات الغربية التي تفر من روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو جراء غزو أوكرانيا. ولم تعد أستانا تستشير موسكو بشأن الأمور المالية والعملة ، و تقوم بخفض مستوى مشاركتها في الكيانات متعددة الجنسيات التي تهيمن عليها روسيا ،بما في ذلك كومنولت الدول المستقلة والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ورحب نزارباييف أيضا بالاستثمار الصيني في قطاعات اقتصادية معينة ،وبصفة خاصة الصناعات الكيماوية و الهيدروكربونية والتعدين والمعادن ، ليوازن النفوذ الروسي. وجرى خلق بيئة تجارية ودية لضمان ألا تقوض المصالح الاقتصادية وارباح الكيانات الأجنبية سيادة كازاخستان. ورحب نزارباييف بمبادرة الحزام والطريق الصينية لدعم مزيد من التطوير للبنية التحتية وليسهل الجسر البري بين الصين وأوروبا ،رغم أن أستانا تراقب عن كثب تداعياتها الأمنية. والعنصر الرئيسي الثاني كان ربط ضرورات التنمية التي تحتاجها كازاخستان من أجل التنمية بسياسة خارجية متعددة الموجهات. وبعد تفكيك ترسانتها النووية وتنظيف موقع سيميبالاتنيسك ، أصبحت كازاخستان مؤيدة بارزة لنزع الأسلحة النووية وعدم الانتشار على مستوى العالم. كما أصبحت أستانا أيضا مناصرة علنية للتنمية المستدامة منخفضة الكربون بالنظر إلى تجارب كازاخستان المباشرة جراء الدمار الذي لحق ببحر أرال. وقامت كازاخستان بدور ايجابي على الصعيدين الإقليمي والعالمي كدولة علمانية ذات أغلبية مسلمة.وفي شهر أيلول /سبتمبر الماضي، استضافت أستانا المؤتمر السابع لقادة الأديان العالمية والتقليدية ، وهو منتدى كان قد تم تأسيسه بعد عامين من الهجمات الأرهابية في الحادي عشر من سبتمر عام 2001التي استهدفت الولايات المتحدة ،لتعزيز حوار الأديان وتقليل إغراء التطرف الديني. وحضر المؤتمر بابا الفاتيكان فرنسيس وقادة كل الطوائف الرئيسية . وشجعت أستانا أيضا المبادرات الإقليمية العديدة من أجل حماية أفضل لاستقلال آسيا الوسطى. وفي قمتهم في شهر تموز/يوليو الماضي، وضع قادة الدول الخمس الواقعة في آسيا الوسطى جدول أعمال للتعاون الإقليمي لتعزيز الترابط من خلال التجارة الحرة ، والتعاون بشأن المناخ والطاقة الخضراء ، والسياحة والمشاركة في المياه ، والاستثمارات في الطاقة الكهرومائية. وسوف تعزز الانتخابات الرئاسية الأخيرة وضع كازاخستان كوسيط دبلوماسي مهم في منطقة اوراسيا ،حيث تتحرك بين جارتين تسعيان لكسب النفوذ وتتجنب جرها للدخول في أي صرعات إقليمية. واختتم بوجاجسكي تقريره بالقول إن هذه السياسة ، التي تم إطلاقها قبل ثلاثين عاما ، تقدم مدخلا لإنخراط اقتصادي ودبلوماسي غربي أكبر سوف يساعد في الحفاظ على سيادة البلاد في وقت يشهد اضطرابا متزايدا في روسيا وعلاقات متوترة بين الغرب والصين.