@lailasaad07
الأمومة هي اختيار والطفولة ثمرته.
ما هي الطفولة بشكل عام؟ حسبما جاء في تعريف منظمة اليونيسيف العالمية للطفولة هي الفترة الزمنية التي يجب على الطفل التمتع بها بالأمان بعيدًا عن الخوف والعنف والاستغلال أو المعاملة السيئة.
إن الاهتمام بالمرأة قبل الأمومة هو أول الخطوات، فعندما تكبر وتنشأ المرأة في بيئة داعمة ستكون أمًّا داعمة، وعندما تنشأ المرأة وهي تتمتع بحرية اتخاذ القرار ستكتسب الحكمة والقوة والمسؤولية، التى ستدير من خلالها أسرتها، وكذلك إذا نشأت المرأة مرتبطة بالله، هي حتمًا ستربي أبناء مرتبطين بالله، وأجمل عبادة تعلِّمها الأم لأبنائها هي عبادة حسن الظن، والتسليم لله، الظن الإيجابي الخالي من التوقعات السلبية.
إن الحالة النفسية والعقلية السليمة للأم تجعلها قادرة، وفي منتهى الحكمة لاتخاذ أي قرار فيه مصلحة أبنائها.
شعارات كنا نسمعها تتردد في المناسبات والمحافل (الأمهات صانعات الأجيال)، (الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبًا طيب الأعراق)، وغيرها الكثير.
حسنًا.. الآن نحن نريد واقعًا حقيقيًّا تخرج منه أمهات تؤدي دورها، فمن خلال إعطائها حقوقها كاملة كالحقوق المالية، وتوفير البيئات الآمنة لها في العمل وفي البيت، ومع جميع مَن يتعامل معها، إن هذا حتمًا سيشعرها بالحماية والطمأنينة، وستكون مستعدة لأن تنشئ أسرة؛ لأنها تعلم أن حقوقها مصانة هي وأبناؤها، وأنها ليست وحدها تصارع الحياة من أجلهم، أن تكون الأم خائفة قلقة على حياتها الشخصية أو على أبنائها، وتعيش أو تشعر بالتهديد والاستغلال، سيكون له بالغ الأثر على نفسية وعقلية وسلوك أبنائها، أما إذا كانت تشعر بالأمان والاحترام فلن تنشغل إلا برعاية أولادها، ليكون المستقبل واضحًا لهم، ليختاروا طريقهم بكل شجاعة، وليكونوا هم أنفسهم قادرين على خلق فرص لهم في المستقبل بكل وضوح، فالإيمان، والسلام الذي يعيشونه مع هذه الأم هو الضوء الذي يُنير طريقهم، فلا قلق ولا خوف ولا خيال مريض يصور لهم البؤس المختبئ لهم في المستقبل؛ لأنهم مستعدون من الآن له، يمهّد لهم الطريق وجود أسرة مسؤولة وأم واعية، ووطن يؤمن قولًا وفعلًا بأن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، شعار كان في الماضي سرابًا، مجرد كلام في الهواء، أما الآن ففي ٢٠٣٠ تمكين المرأة سبق جميع التوقعات، وتجاوزت النسبة المطلوبة قبل حلول الموعد، نعم فعندما نمكّن المرأة فنحن نمكّن الأم التي ستمكّن الأبناء؛ ليكون لدينا مواطن متمكّن، وبشكل أعم لدينا جيل واعٍ حر مطمئن شجاع؛ ليقود هذا البلد، ويصبح في المقدمة، وربما يقود العالم بشجاعة نحو المستقبل بكل يقين، وهو ممسك بيده مصباح الإيمان والعلم والثقة بالله، ليضيء له طريق المستقبل، وهذا أهم هدف تأمل كل أم أن يحققه أبناؤها، وهذه هي مكافأة الأم التي سلمت وأيقنت وتحلت بالشجاعة، وخلقت الفرص لأبنائها بدون قلق ولا حزن.
الأم الخائفة تعني أمًّا قلقة، لها خيال سلبي يصنع واقعًا سلبيًّا يجعلها تعيش الحزن من مخاوف وأخطار قد تصيب أبناءها، وقد لا تصيب، وهذه المشاعر السلبية تقيد الأبناء، وتحدّ من نموهم النفسي السليم، حزن الأم وخوفها يبني جدرانًا حول الأبناء، ويكبّلهم، ويسرق حريتهم وحقهم في الحصول على حياة مطمئنة.
قال تعالى في سورة القصص آية (٧): (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليكِ وجاعلوه من المرسلين).
فبين الآية والحكمة، نجد شروط وحقوق الطفولة، وقد طبّقتها أعظم أم في التاريخ، ألا وهي أم سيدنا موسى عليه السلام.
أولًا هي أم شجاعة، ومن خلال تجربتها، نستشف تقريبًا بعضًا من القوانين النفسية والسلوكية لمنهج الأمومة.
(وأوحينا..) الأم متصلة بالله، وهذا هو أساس الأمر، (أن أرضعيه) الإعداد، وواجب الرعاية نحو الطفل، (فإذا خفتِ عليه) مشاعر الخوف الطبيعية على الأبناء، (فألقيه) القدرة على حماية الأبناء باتخاذ القرارت المناسبة، ومن دون توقعات، فقط تسليم واطمئنان، (ولا تخافي) إرشاد بأن الخوف الزائد على الأبناء والمسبّب للوسواس سيعيق نموهم النفسي.
(ولا تحزني) تشجيع الأم على حسن الظن بالله، والتوكل على الله، والابتعاد عن القلق والتردد؛ لأن الأم الحزينة تعني أبناء حزينين.
إذًا ماذا ستكون نتيجة (إنا رادُّوه) عندما يتربى الأبناء في بيئة آمنة مطمئنة، سيكونون دائمًا متواجدين ومرتبطين بأسرتهم، مهما ابتعدوا، وهذا ما يُخيف الأمهات بعد الأبناء، (وجاعلوه من المرسلين)، إن مهمة ورسالة الأبناء في الحياة حتمًا ستكون واضحة بالنسبة لهم، وهذا أهم هدف تأمل كل أم أن يحققه أبناؤها.
وهذه هي مكافأة الأم التي سلَّمت وأيقنت وتحلَّت بالشجاعة، وخلقت الفرص لأبنائها بدون قلق ولا حزن، ربما تُلهمنا هذه الآية الكريمة، ونراها كأثر ونتيجة لشجاعة الأم على ابنها، قال تعالى في الآية (٦٣) من سورة الشعراء (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم).
هذه هي نتيجة تسليم الأم، فكما كانت الأم نموذجًا لابنها في اليقين بالله، وقيامها بعمل لا يتوقعه أحد، كذلك كان ابنها ممتلئًا باليقين، وقام، كما قامت أمه، بعمل خارق لا يصدّقه أحد، فعندما كانت نجاته بيقين أمه، كذلك كانت نجاة قومه ليقينه.
إن مستقبل الأبناء الطيب يبدأ ويؤسّس في بيئة سليمة من أم سليمة نفسيًّا.
نحن نربي أبناءنا بالقدوة، الأمومة شجاعة، كوني أمًّا قوية شجاعة مطمئنة، موقنة بالله، يكن أبناؤك مِثلك أنتِ النموذج، كوني كأم موسى؛ ليكون ابنك كموسى عليهما السلام.