عثمان الأنصاري

تميز الفرد في محيطه مطلب لتحقيق التقدم والمضي نحو الرقي وانتفاع مجتمعه العام والخاص، فالأمم قائمة بشكل أساس بتفوق أفرادها، قلما تجد مجموعة محتكرة للتميز في مجال محدد، بينما تجد الكثير من الأفراد تفوقوا في مجال أو عدد من المجالات خصوصا الفريدة منها كالطب والتكنولوجيا والفيزياء والعلوم الشرعية وعلوم اللغة والرياضة وغيرها.

حوى القرآن الكريم عدداً من الآيات الدالة على قوة الفرد مقابل الجماعة وتأثر الجماعة به، منها قوله تعالى: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً» أي قدوة، وقوله: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ» وقصة ذي القرنين، وامرأة فرعون وغيرهما.

كما حث ديننا الحنيف على التزام الجماعة والتمسك بها، قال الله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ» آل عمران.

ومن ناحية فلسفية فإن الفرد هو الكائن الوحيد الذي يمتلك قدرات وإمكانات كامنة فيه، وتعني الفردية هنا السمات الخاصة التي تميز فرداً عن غيره، ولا يمكن أن تتكرر عند الآخرين، وكان (برتراند راسل) من بين الفلاسفة الذين تناولوا موضوع الفردية من خلال دعوته إلى أن التقدم سواء الفني أو الخلقي أو العلمي يعتمد على الفرد الذي سيكون عاملاً حاسمًا في الانتقال من التخلف والتراجع إلى المدنية والتقدم، ويرى ضرورة تعزيز الفردية من خلال التفكير الحر كغاية سامية حققت مكاسب مع حرية الفرد منذ القدم إلى يومنا هذا. الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر عند (برتراند راسل).

ينادي كثير من قادة علم الاجتماع وتطوير الذات وبناء الشخصية بأهمية تكوين الفرد من نواحٍ سلوكية وعلمية ومهارية، ما يعود على الفرد ذاته بالمنفعة والفائدة، والذي بدوره يفيد الجماعة، ويبقى النقاش المتواصل والمستمر من يتأثر بالآخر هل الفرد أكثر تأثراً بالجماعة أم الجماعة أكثر تأثراً بالفرد؟ ومن المؤكد هنا أن الجماعات هي المصدر الرئيسي لتلبية حاجات الأفراد، كما أن للجماعة تأثيرها على المجتمع ذاته بما يساهم في تشكيل اتجاهاته ومسيرته، فالجماعات هي المحدد الأساسي لسلوك الفرد وانضباطه، للجماعات قوة تأثير في تنمية قدرات الفرد سواء الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية كجماعة النادي وجماعة الأسرة، وعن طريق الجماعة يمكن للفرد أن يتفهم ذاته وللدور المحدد له في موقف معين.

«في كلِّ نفسٍ سويَّة ميلٌ للشعور بالفردية المتميزة، بالكيان الذاتي، وميلٌ مقابل للاندماج في الجماعة والحياة معها وفي داخلها، ومن هذين الميلينِ معًا تتكون الحياة؛ ومن ثمَّ لا يكون الإنسان فردًا خالصًا، ولا يكون أيضًا جزءًا مبهمًا في كيان المجموع»؛ محمد قطب (دراسات في النفس الإنسانية).

كي لا تكون الفردية هاجساً يؤدي بالبعض للأنانية والابتعاد عن الجماعة والمساهمة في تألقها وتأدية دورها المجتمعي المهم لابد من التفريق بين العزلة بهدف التطوير والتعلم مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الجماعة ومواصلة المشاركة فيها، خلاف من يعتقد ويلزم العزلة التامة بعيداً عن الإنجاز وعن مشاركة الجماعة مما يولد القطيعة وسوء الظن والتملق من المسؤولية المنطوية بالجماعة بحجة الفردية واتكالاً على الغير ممن يقومون بواجباتهم تجاه الجماعة وأكثر.