أ. د. هاني القحطاني

hanih@iau.edu.sa

سياسة، ورياضة، وثقافة.. في السياسة شهدت الرياض هذا الأسبوع عقد ثلاث قمم اختتمت بالقمة التي دعا إليها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء «يحفظه الله»؛ لتجمع قادة الدول العربية بالرئيس الصيني.

بدايةً فإن مجرد التفكير في جمع القيادات العربية برئيس ثاني وأسرع اقتصاد في العالم، هو تفكير نوعي كانت الدول العربية بأمسّ الحاجة إليه. أن يفكر القادة العرب سويًّا ويتعاملوا مع القوى الدولية الفاعلة اليوم بصوت واحد، ورؤية واحدة، ويتحدثوا بلسان واحد هو بحد ذاته إنجاز في آليات العمل السياسي الذي من شأنه أن يعود على المنطقة بالأمن والازدهار والاستقرار.

وبالرغم من تعدد الخطابات، والمواضيع والأطروحات السياسية والاقتصادية التي ألقاها زعماء الوفود إلا أن الرئيس الصيني قد سمع من الزعماء العرب خطابًا واحدًا. وحدة الموقف ووحدة الخطاب ووحدة الكلمة هي ما كان ينتظره العمل العربي المشترك. لقد كان المواطن العربي يحلم بأن يرى القادة العرب يجتمعون في محفل واحد، ويتحدثون بصوت واحد، ويكونون على قلب رجل واحد، كما قال الشاعر:

كونُوا جميعًا يا بَنِيَّ إِذا اعتَرى

خَـطْبٌ ولا تتفــرقُـوا آحادَا

تأبَى القداحُ إِذا اجتمعْنَ تكسُّرًا

وإِذا افترقْـنَ تكسَّرتْ أفرادَا

لنا أن نتخيَّل ما سمعه الرئيس الصيني والوفد المرافق له من ممثلي الدول العربية بصوت واحد، وما سيُبنى عليه من مواقف. هذه سابقة نوعية في العمل السياسي العربي. وإذا ما وضع ذلك في السياق الجيوسياسي الذي يمر به العالم اليوم، وموقع الصين منه اقتصادًا ونفوذًا وثقافة وقِيَمًا مشتركة، لأدركنا عُمق هذا التحرك السياسي الفريد ومغزاه ونتائجه المرجوّة.

هذا في السياسة، أما في الرياضة فقد كان للعرب حضور متميّز في مونديال قطر. فلأول مرة في تاريخ دورات كأس العالم يتأهل منتخب عربي أفريقي إلى الدور نصف النهائي. لكل مشاهد ومشجّع ومتابع أو غير متابع لكرة القدم التعليق على هذا الحدث. لكن أجواء الفرحة والبهجة والإعجاب قد عمّت قارة أفريقيا بكاملها والعالم العربي من محيطه إلى خليجه، بل وامتد ذلك إلى شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا.

لقد كان فوز المغرب في مشوارها الأسطوري هذا حلم كل هؤلاء الناس. وربما كان صوت معلّق إحدى القنوات الناقلة للحدث باللغة الإنجليزية خير معبّر عن هذه اللحظة الفاصلة في تاريخ المونديال.

لقد كان صوته يخترق الآفاق وهو يعبِّر عن مشاعر 1.4 مليار من البشر بعد فوز المغرب على البرتغال برأسية يوسف النصيري ووصولهم لنصف النهائي.

صحيح أن حلم الوصول للنهائي قد انهار على صخرة دفاع أبطال العالم الحاليين، لكن ما فعله أسود أطلس جعل من كل منهم بدءًا بمدربهم الفذ (لم يمر على تعيينه مدربًا للفريق كما تناقلت وسائل الإعلام أكثر من شهرين) اسمًا على مسمى. كم هم محظوظون لاعبو كرة القدم؛ لما يرسمونه من فرحة غامرة على محيا شعوبهم.

في ملاعب الدوحة سطَّر هؤلاء الأسود وهم يذكّرون في أسلوب لعبهم بالكرة البرازيلية في عهد مجدها بداية مدوّية لكرة عربية وأفريقية واعدة.

والرياضة في بعض جوانبها استمرار للثقافة. وقد تجلّى ذلك في صور أصبحت وقد شارف المونديال على نهايته معروفة للجميع. غير أن مشهد لاعبي المغرب بعد كل فوز يحرزونه وطريقة احتفالهم مع أهلهم وذويهم مشهد يبعث بقِيَم عربية أصيلة لكافة أنحاء العالم. فهذا اللاعب يذهب للمدرجات ليقبّل رأس أمه، وهذا يقبّل رأس أبيه، وهذا قد أحيط بأسرته، ثم يسجد الجميع شكرًا لله. هكذا تفصح الثقافات الأصيلة عن نفسها. هذه هي القِيم العائلية التي لا يُسمَع عنها شيء على استحياء إلا في سياق الانتخابات الأمريكية. هكذا نقل لاعبو المغرب صورة ناصعة البياض عن ثقافة العرب.

لم يسبق للذاكرة العربية الحديثة أن شهدت هذه الروح الوثابة من هرم القيادات العربية مرورًا بثقافتها ورياضتها التي لامست وجدان كل عربي، فإلى غد مشرق «بإذن الله».