لمى الغلاييني

يدفعنا هذا العناد المتأصل بداخلنا للاعتقاد بأن العالم مرتب مسبقًا كالآلة، ولا نملك إلا اللهاث خلفها، ويجعلنا جاهلين في مجال الروحانية، فالعالم الروحاني الذي لا يمكننا رؤيته يربطنا بإدراك هائل لا نهائي وغير محدود، وكل شيء فيه عنصر مساعد وميسّر للاستعمال، وتتجلى فيه الصفقات بشكل مربح للجميع، فهو قدر ينضج بالإمكانيات، وفضاء مشبَّع بالحب النقي، لكننا نُهدر موارده بالتركيز على نطاق مادي ضيّق للغاية، وننكر الأبعاد المتعددة التي تتجاوز الحواس الخمس، ولقد خلق جهلنا بذلك نظرة متوترة للوجود ترتكز على المصاعب والخوف وحماية أنفسنا من جميع التجارب التي قد لا تجري على هوانا؛ مما أدى لفصل أنفسنا عن الاستفادة من القدرات اللا محدودة، والاعتقاد بأن هذه العدسة المحدودة هي ما يجب أن ننظر من خلاله فقط، واختزال إدراكنا الهائل في البحث عن مسارات للنجاة والتفكير في أسوأ السيناريوهات، رغم أن كل لحظة نقضيها في القلق تقوِّض من قدرتنا في جذب التيسير لحياتنا، وتشيد الحواجز بيننا وبين كل الإشارات والفرص، والوفرة الباذخة الموجودة في الكون؛ بهدف إسعادنا، مع أن هذا النموذج المهيمن ليس سوى خرافات وأكاذيب عن طبيعة الحياة تم تكرارها وبرمجتها منذ عقود طويلة، فقد تدرَّبنا منذ نعومة أظفارنا على أن نرتدي نظارات رمادية، وننظر للعالم عبر عدسات الهزيمة والألم، وكنّا نُمدح في كل مرة نكتشف فيها المزيد من العقبات والسيناريوهات السوداوية، كدليل على ذكائنا في توقع الأسوأ، لكن هذه الطريقة البالية من التفكير قد انتهت صلاحيتها، وعلينا أن نفسح المجال لمنظور أسمى للعيش، وجُل ما يلزمنا فعله هو الاستغناء عن المآسي وبطولة ذلك الفيلم الدرامي، وتبنّي منظور «كيف نجعل الأمور تسير بشكل أفضل»، بدلًا من التساؤل بأسلوب «لِمَ تسير الأمور بهذا السوء؟»، فالطاقة تنتقل إلى أي بنية ينشؤها وعينا، وستخلق تصوُّراتنا المحدودة هيكلًا ضئيلًا للمجال الطاقي المحيط بنا، وقد ينتهي الأمر للعيش في واقع ضيق ومخيف؛ بسبب تماهينا الشديد معه، رغم أنه سيبدو في غاية الحقيقة والخيار الوحيد أمامنا؛ لأن أفكارنا تشبه الإشارات اللا سلكية، فهي تبث معتقداتنا وتوقعاتنا إلى الحقل الكمي، والذي يفضّل أن نسمّيه حقل الإمكانيات؛ لترتد إلى حياتنا الذبذبات المتناغمة مع الإشارات المرسلة.

وقد أثبت اختصاصيو فيزياء الكم بأنه من المستحيل أن ننظر إلى شيء دون التأثير فيما ننظر إليه، وهذا ما يُدعى بـ «تأثير المراقب»؛ مما يعني أنه لم يعُد بإمكاننا اعتبار أنفسنا مجرد متفرجين، لا تأثير لهم في العالم الذي نراقبه، فعملية المراقبة هي عملية تخليق وصناعة، وما نعتقده واقعًا موضوعيًّا ماثلًا «هناك» ليس سوى انعكاس لما هو ماثل في الداخل، ونقصد به الوعي الذي يقوم بعملية المراقبة، فعندما تركز فكرك في الحب والسلام ستغدو تجربتك الحياتية هانئة مسالمة، أما إذا ضبطت وعيك على ترددات الموسيقى التصويرية الحزينة السوداوية فلن تحصل إلا على واقع يتناغم مع ما أرسلته، وبمقدورك دومًا أن تصنع واقعك المرغوب.

@LamaAlghalayini⁩