@majda_anazy
لماذا دائمًا توجّه أصابع الاتهام إلى النساء بالكيد متسلحين بقوله تعالى: (إن كيدكن عظيم)؟
وللأسف أن الفهم الذكوري للنص القرآني هذا تهمة تمَّ إلصاقها بها على أنه شأنٌ تختص به المرأة متعمدًا كان أو جاهلًا تفسير هذه الآية..!
كما يقول عبدالله بن المقفع في كتابه الأدب الصغير والأدب الكبير: (فلينظر امرؤٌ أين يضعُ نفسه، فإن لكل امرئٍ لم تدخل عليه آفةٌ نصيبًا من اللُبّ).
في الحقيقة المطلقة أن في كتب التفسير مثل السعدي، وابن كثير، والقرطبي، وبعض المواقع الموثوقة، أن قوله تعالى: (إن كيدكن عظيم) هو قول مباشر للمرأة من الله، فهو كلام غير صحيح، ولكن القائل هو حاكم مصر العزيز لامرأته أثناء محاولتها التخلص من موقفها، عندما رأته أمام الباب، فقالها العزيز عندما رأى أن قميص يوسف قُدّ من دُبر؛ لذلك لا تؤخذ التشريعات من كافر.
ولكن عند تأمل أحداث تفاصيل قصة سيدنا يوسف، نجد أن هناك نصيبًا للرجل من هذا الكيد، عندما قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف (یَا بُنَیَّ لَا تَقۡصُصۡ رؤیَاكَ عَلَى إِخۡوَتِكَ فَیَكِیدُوا۟ لَكَ كَیۡدًا إِنَّ ٱلشَّیۡطَانَ لِلۡإِنسَانِ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ).
فقد كانت نيّة إخوة يوسف وكيدهم له هو القتل (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبِّ).
لذا ما تحمله قلوبهم هو البُغْض والقسوة، ولا يحملون ذرة عطفٍ ورحمة.
يقول جهاد جحا:
بعضُ الرِّجالِ بكيدِهِ فاقَ النِّسـَـا
إخوانُ يُوســفَ شَــاهدٌ ببيانِ
مِنْ كَيدِهم يعقوبُ حذَّر يُوسُـفًا
فالكَـيْدُ لا يـخْـتَـصُّ بالـنِّسْــوَانِ
ومن أدعية النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من الهَمّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال).
فهو يستعيذ بالله من قهر الرجال، ومما لا شك فيه أنه مصيبةُ عظمى، فهو نتيجة لمكرٍ وكيد، أو قهر على غير ذلك مما يضره..
وبعد التأمل بسورة يوسف، أتيقن أن الكيد والمكر لا يكونان إلا في النفس الضعيفة التي لا تستطيع مواجهة المواقف، وهذا والله ليس بصفة للمسلم الشجاع الذي لا يهاب المواجهة المُقدِم على حياته بتوكيل أموره لربه سبحانه وتعالى.. فكلما زاد ضعف الشخص زاد مكره وكيده..
فمكر امرأة العزيز كان ناتجًا عن حبٍّ بغَض النظر عن حرمته، وبالمقابل كيد إخوة يوسف كان ناتجًا عن كُره وحقدٍ وغِل..
فلغة التعميم بآية (إن كيدكن عظيم)، وإصدار الأحكام دون فهم لا يقبله عاقل، فقد يكون هناك من النساء مَن يكدِن كيدًا سيئًا، وقد يكون هناك من الرجال أيضًا يكيدون كيدًا طيّبًا مليئًا بالحب والثناء والعاطفة؛ لذا علينا محاولة فهم الأحكام المعممة بشكل عشوائي، وبعض المعتقدات التي عِشنا وتربَّينا عليها منذ الصغر، ولكن يبدو أن امرأة العزيز نجحت في إلصاق المكر بالنساء دون الرجال.
وفي نهاية مقالي هذا، أسأل الله أن يكفينا شر وكيد خلقه، وشر كل من أراد بنا سوءًا وأن يرد كيده في نحره ويشغله في نفسه..