غالية المطيري

@1428_mona

من المغفل في الحب في الإدارة في الحياة عموما؟ وهل من الممكن أن يكون الشخص الذكي مغفلا يوما ما؟

ولماذا نحب أن نكون مغفلين في لحظة ما من حياتنا؟!

أخذ نفسا عميقا وهو يملي هذه الكلمات على مساعده، ثم أكمل ليقول: أظن أني اليوم سأكتفي بهذا القدر.

رد عليه مساعده قائلا: ولكنك لم تنه المقال يا سيدي و...

قاطعه بحركة من يده وقد توشى الغضب تعابير وجهه ثم أخذ معطفه وانطلق خارجا، وعندما تأكد أنه قد اختلط في زحمة المارة، أطلق العنان لدموعه وأكمل مقاله بصوت مسموع، ضاع علوه مع حركة المارة وضجيجهم، وقال المغفل هو من تمضي سنوات عمره يجري خلف سراب. أتعلم ما هو السراب؟ السراب هو لا شي، ومتى تعلم أن حياتك كانت سرابا. آه ثم آه، ستعلم ذلك جيدا عندما تحين منك التفاتة لماضي أيام عمرك وترى كم كسرت من قلب كان يحب الخير لك، عندما ابتعدت عنه وهجرته، وعندما ظلمت إنسانا مضى منكسرا وأنت تسمع دعواته المكتومة، ولكن سطوتك في ذلك الوقت جعلتك أصم، ظننت أنه لم يصبك شيء من دعواته تلك، ولكن غفلتك هذه هي أكبر عقاب أصابك.

تكون مغفلا بالحب عندما تظن أن الحب لحظات مجنونة من لقاء وعناق أو حتى ما أوهمت نفسك أنها غيرة وهي في الحقيقة مجرد مشاعر مؤقتة لأنك مغفل ظننتها حبا وفي تفاصيلها نسيت ذلك الحب الحقيقي الذي طرق قلبك. الحب الحقيقي هو ذلك الإخلاص لك لذاتك لا لأي شيء آخر، هو ذلك الشخص الذي سعادته تكمن في أنك سعيد حتى وإن كنت لا تشعره بسعادتك تلك، الحب هو تلك الدعوات التي تتردد كل وقت ليحفظك الله حتى من نفسك وغفلتك، الحب هو تلك العينان اللتان تريانك آية في الجمال وأنت كسيح منه، الحب هو تلك الأيدي التي لم تلمسها يوما لأنك كنت مغفلا وكانت هي تزيح الأشواك من طريقك وتتأذى ولا تشعرك حتى بذلك كي لا تحزن.

كنت مغفلا بالحب لأن الحب اهتمام واحتواء وصدق ورحمة وغناء به تزهر الدنيا وتخضر، ولم يكن الحب يوما شهوة أو نزوة أو حديثا أو علاقة واتصالا.

سكت لبرهة يستجمع بقايا صوته المتحشرج، ثم أكمل يقول: المغفل بالإدارة هو ذلك الذي ظن الإدارة منصبا يعزل هذا ويضيق على ذاك ويفصل هذا ويقرب ذاك لمكانته ويبعد آخر لنفس السبب ويمنع توظيف إنسان أو ترقيته لا لشيء إلا أنه لا يخدم مصالحه. بينما الإدارة ناطحة سحاب عملاقة شيد بنيانها من الخطط والتنظيم والقرارات التي تصب في مصلحة الجميع، فكلما شاهدتها العيون تألقت إعجابا بجميل أثرك وارتفعت الأيادي بالدعاء لك، بل فتحت لك الأبواب في كل مقر وإدارة لأنك رجل إدارة بقي جميل صنيعه شاخصا للعيان. الإدارة رصيد من العطاء تحصده عند رحيلك وبعده من أي مكان كنت مديرا له، ولكنك أضعت تلك الثروة فقط لأنك مغفل.

وهل تعلم من المغفل في الحياة عموما هو ذلك الإنسان الذي لم يضع له أهدافا بل قد يكون وضعها ولكنها جميعها قشور لا تنفع. الهدف لابد أن يكون ثابتا حقيقيا لحياة باقية خالدة لا لحياة قد تغادرها وأنت تخطو خطوات شبابك الأولى. أما لماذا نحب أن نكون مغفلين في لحظة ما من حياتنا فلأننا نحب أن نكون مغفلين على أن نعترف لذواتنا أننا لا شيء في قلوب من نحب، لذلك نحن نعطي ذلك الإنسان قيمة وتلك العلاقة فرصة رغم يقيننا بعدم جدواها.

فهل فهمت الآن لماذا لم أكمل المقال لأني مغفل لا يحب أن يعترف أنه مغفل.