أروى المزاحم

كتبتُ في أحد مقالاتي السابقة، والذي كان بعنوان سابع المستحيلات عن أحد ثالث المستحيلات، وهو الخِلّ الوفي الذي اعتبره العرب قديمًا أنه نادر ولا وجود له، إلا من رحم ربي، وقد أدرك العرب مبكرًا هذا الأمر، وهو استحالة وجود الصديق الصدوق المخلص الذي يصل إلى أعلى درجات المحبة والإخلاص والوفاء، ولعلي أصدق اليوم هذا الحديث أكثر من ذي قبل بالخصوص، بعد أن سمعتُ بحادثة المغدور الشهيد رحمه الله بندر القرهدي على أيدي أصحابه.

كنتُ أوشك على تكذيب الخبر وعدم تصديقه حتى لحظة ظهور والده بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي مؤكدًا حقيقة ما حدث لابنه، إن ما حدث أشبه بمَن كان يحمل خنجرًا على خاصرته؛ ليستند إليه في الدفاع عن نفسه، ويستعين به على قضاء حاجياته، ولكنه في لحظة من الأمان المطلق يفاجأ بأنه كان يحمل خنجرًا مسمومًا؛ إذ إنه يتلقى ضربة الغدر والموت منه.

العجيب من هذا كله أن الإنسان لا يتلقى صدماته إلا ممن ظن بهم خيرًا، ولعل ما حدث لسيدنا يوسف عليه السلام منذ مئات الأعوام يؤكد لنا ذلك، حين أجمع إخوته على المكر به بإلقائه في بئر عميقة والتخلص منه، ولكن الإخوة الحاقدين ظنوا أنهم قد تخلّصوا منه، وأنه هالك لا محالة في ظلمات البئر العميقة، لكن الشيطان أنساهم قدرة الله، وحكمته سبحانه.

ما يجعلنا نطمئن ونهدأ، إزاء هذه الجريمة الشنيعة البشعة، هو سرعة انكشاف الحقيقة، وسرعة القبض على المجرم، وتصريح الجهات المختصة بأنها ستعمل على إنزال أشد العقوبات المنصوص عليها بالقانون لهذا المجرم الذي لا يمت للإنسانية والدين بأية صلة.

رحم الله المغدور الشهيد/ بندر القرهدي، وأسكنه فسيح جناته، وأسأل الله أن يلطف بحال أهله، وأن يُلهمهم الصبر والسلوان، وأن يكفيني ويكفي كل مَن يقرأ شر الغدر، وألا يفجعنا بمَن نحب.

ومضة:

الحاقد حين يكون عدوًّا واضحًا يكون الأمر سهلًا، ولكن حين يكون متنكرًا في صديق فهذا عين الألم.

@al_muzahem