متعب القحطاني يكتب:

مع دخولنا العام الجديد، الذي نسأل الله أن يكون عام خير وبركة علينا جميعا، يتجدد الحديث عن أهمية تحديد الأهداف الشخصية، وكتابتها ووضع الخطة المناسبة لإنجازها والوصول لتحقيقها.

لا أخفيكم سرا أنني لست ضد هذا الطرح، ولكن المبالغة فيه وتعقيد الأمور وتصعيبها لا يعجبني، ولا أراه أمرا عمليا، بل ربما أثقل كاهل الكثيرين، وكان سببا في تقاعسهم، وحرمهم لذة الإنجاز والتطور.

ربما -وأقول هنا ربما لأني لا أجزم بصواب قولي وفكرتي- كان من الحكمة ألا ترهق نفسك بكثرة الأهداف أو بالأهداف الكبيرة التي تبدو صعبة المنال في الظروف الاعتيادية ولمعظم الناس. في ظني أن الواقعية والتركيز والبساطة في الأهداف الشخصية - دون تقليل من قدراتك ومهاراتك - دليل على حكمتك ومعرفتك الواعية بنفسك.

إن للأهداف الكثيرة أو الكبيرة ثقلا على صاحبها، قد يسبب له التقاعس أو الانهيار والاستسلام. وأتذكر هنا عبارة عميقة استوقفتني، كنت قد قرأتها في كتاب «قلق السعي إلى المكانة» جاء فيها: «إن التخلي عن الطموحات الكبيرة، لهو نعمة جالبة للارتياح، بمثل قدر تحقيقها تماما». ويضيف السيد آلان دو بوتون أيضا: «إن تلك المجتمعات برفعها سقف الطموحات الكبرى باطراد تجعل الحد الكافي من تقدير الذات يكاد يكون مطلبا مستحيل المنال».

إن الناجحين يدركون أن الأهداف المرحلية، وإن كانت صغيرة، هي الطريق الصحيح والمضمون للوصول للأهداف الكبيرة. ولكن -للأسف- كثير منا يحاول تحقيق قفزات كبيرة تصنع لهم مجدا ونجاحا باهرا، غير مدركين أن النجاحات الكبيرة غالبا ما تأتي نتيجة لنجاحات وخطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح.

‏كما أن من الأهمية أن تختار أهدافك الشخصية بعناية ووعي، دون أن تفرض عليك، أو تحاول من خلالها إرضاء أحد ما أو السير مع موجة اجتماعية أو «ترند» في وسائل التواصل الاجتماعي، ترجو من خلال ذلك نيل القبول لدى الآخرين، أو الشهرة والمكانة الرفيعة.

وإذا انطلقت في رحلتك، فلا تتنازل عن أهدافك وطموحاتك بسهولة، ولا ترفع الراية البيضاء سريعا، بل اجتهد وقاوم واصبر وثابر. ستسقط أحيانا ولكن لا تيأس، ولا تفقد الثقة بنفسك، فإنها آخر حصونك. قم وامض في طريقك من جديد. ربما تحتاج أن تغير الطريق أو الطريقة، ولكن لا تغير وجهتك، إلا إذا اقتنعت بذلك. فلا خير ولا معنى للحياة بلا هدف تسعى إليه، فالحياة بلا هدف كالإبحار بلا وجهة، تتقاذفك الأمواج دون أن تصل لميناء ترسو فيه.

وفي الختام، دعني أذكرك بأن تستمتع بتفاصيل رحلتك وطريقك نحو أهدافك. لأنك في الغالب عند بلوغك الهدف، سيظهر لك هدف آخر يسلب منك متعة الوصول، وستبدأ مباشرة في التخطيط له والعمل على تحقيقه. وفي هذا يقول ديستوفسكي: «كلما بلغ الإنسان هدفا من أهدافه، بدت عليه أمارات القلق والارتباك. الجري وراء الهدف يرضيه، أما إدراكه فلا».!

@MetebQ