الإغراق التجاري مشكلة مقلقة ومكلفة للدول وشركاتها عامة، لكن بصفة خاصة تلك التي لا تملك الخبرات القانونية لمقاضاة الدول وشركاتها التي تغرق أسواقها وتضعف قوتها التنافسية بأسلوب غير أخلاقي وغير عادل لإخراجها من السوق. الواضح أن شركات سعودية في قطاعات مختلفة ومنها بعض شركات الحديد تواجه خسائر عالية وتراجعًا في الإيرادات والأرباح وتناقصًا في حصصها في السوق المحلية لأسباب عديدة أهمها الإغراق التجاري الأجنبي الذي يكبدها خسائر كثيرة ونموا ضعيفا وتراجعا في الأرباح وتزايدا في الخسائر الربعية والسنوية تؤدي إلى الإفلاس.
هذه المشكلة تعم قطاعات اقتصادية أخرى إلى جانب قطاع الحديد والصلب، لكنها أكثر وضوحاً وشدة في صناعة الحديد، سواء المسلح أو غيره. لقد لفت انتباهي الخسائر العالية في شركة اليمامة للحديد، فقد كانت خسائر عالية وتراجعات متتالية في الأرباح سنة بعد أخرى. هذه القضية تشغلني لما لمسته من تكلفة اقتصادية عالية يتسبب فيها الإغراق الأجنبي الذي يهدف للسيطرة على السوق السعودية واحتكارها.
يحدث الإغراق عندما تباع المنتجات المستوردة بأسعار تحت تكلفتها في الدول المنتجة والمصدرة أو تحت سعرها في أسواق الدول المستوردة الأخرى؛ بهدف إضعاف منتج بعينه في دولة بعينها لإلحاق الضرر بالمنتجات الوطنية من خلال إغراقها بمنتجات أجنبية رخيصة لإخراجها من السوق ثم السيطرة عليها لاحقاً. كما يحدث الإغراق عندما تدعم الدول المنتجة منتجاتها، حيث تباع في أسواقها بأسعار عالية بينما تباع في أسواق دول مستوردة بأسعار متدنية عن أسواق الدول المصدرة. تمارس شركات أجنبية كثيرة الإغراق غير الأخلاقي وغير العادل مستغلة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تشجع على تحرير الأسواق من الحمائية والحصحصة وتشجع على النفاذ إلى الأسواق العالمية بحرية وتكامل.
يؤدي الإغراق إلى الاحتكار وغلاء الأسعار وتراجع الجودة. لقد أثقل الإغراق التجاري مركز تسوية النزاعات التجارية في جنيف، وذلك بين الدول الأعضاء الموقعة على اتفاقيات المنظمة ومنها اتفاقية عدم الإغراق. كانت قضايا النزاع التجاري بسبب الإغراق حامية بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جهة وبينها وبين الصين من جهة أخرى. وتعد الصين من أكثر الدول التي تغرق السوق الأمريكية وأسواق دول الاتحاد الأوروبي والدول النامية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بمنتجاتها رديئة الجودة ومعايير السلامة المتدنية منذ زمن بعيد، لكن الدول الأوروبية والولايات المتحدة المتضررة لا تجد صعوبة قانونية في ملاحقة الصينيين؛ لأن لديها المتخصصين القانونيين في فريقها التجاري المتمرس. أما الهند فإنها من الدول الصاعدة في منظمة التجارة العالمية ويتوقع أن تغرق أسواقا كثيرة بمنتجات البرمجيات الإلكترونية والمعدات الثقيلة.
تستطيع الحكومة السعودية تشكيل فريق متخصص من المحامين والمحاسبين في حسابات التكلفة والتدقيق من ذوي الخبرات الطويلة في قضايا الإغراق وذلك لتشكيل قضية إغراق ضد الدول وشركاتها التي تغرق السوق السعودية؛ بهدف إخراج الشركات السعودية من السوق. كذلك تستطيع الحكومة السعودية فرض قيود ورسوم احترازية ضد الشركات التي تغرق السوق السعودية حتى تتوقف عن ممارسة الإغراق وحتى يصدر قرار حكيم من مركز التجارة العالمية المتخصص في حل النزاعات التجارية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة ضد الشركات الأجنبية التي أغرقت سوق الحديد والصلب الأمريكية قبل حوالي 17 عاما عندما فرضت رسوماً عليها لتعويض مصانعها عن تكلفة الشركات الأجنبية نتيجة الإغراق. وللعلم بعض الدول العربية ومنها الخليجية تغرق سوق الحديد السعودية بسبب الدعم الحكومي لشركاتها.
تدخّل وزارة التجارة والاستثمار ضروري لحماية القطاعات الاقتصادية المتأثرة من الإغراق، سواء بالدعم المالي أم بالرفع لمركز حل النزاعات التجارية لتعويض الشركات السعودية المتضررة مالياً. لا غنى للشركات السعودية عن الدعم المالي والمعنوي الحكومي في قضايا الإغراق المعقدة، لكن يقع على عدد من شركات القطاع المتضرر مسؤولية التقدم بشكوى ضد الشركات الأجنبية التي تمارس الإغراق في سوقنا، وذلك لدعم الحكومة السعودية في مسعاها لحماية الاقتصاد الوطني من الإغراق الأجنبي.
كلية الاعمال KBS
@dr_abdulwahhab