متعب القحطاني يكتب:@MetebQ

قد تستغرب عزيزي القارئ هذا السؤال، فربما يراه البعض انتقاصا من قدرهم، أو سبَّة في حقهم. وفي ظني أنهم لا يلامون، حيث صاحب كلمة «الفشل» ومشتقاتها كثير من التصورات المشوهة والمغلوطة في العقل الجمعي، حتى أضحت الكلمة وكأنها وصمة عار أو لفظ لا يليق.

دعنا نتفق في البداية أننا بحاجة لنتصالح مع هذه المفردة ولو كانت مؤلمة بعض الشيء، ولا أعني بالتصالح هنا الفرح بالفشل أو الاحتفاء به وتقبّل نتائجه. ولكن التصالح مع مفردة «الفشل» يأتي نتيجة لوعينا بأنه وصف للعمل أو التجربة أو النتيجة والمنجز وليس للشخص ذاته، حيث إنه لا يوجد هناك شخص فاشل، كما أنه ليس هناك شخص ناجح بشكل كامل.!

ربما يكون الشخص قد فشل في مجال معيّن أو أكثر، قد أخفق مرة أو عدة مرات، ولكن هذا لا يجعل منه شخصًا «فاشلًا»؛ لأنه حتمًا يُحسِن أمرًا ما يتميّز به عن أقرانه ولو كان بسيطًا. ولكن مشكلة الكثير منا أنهم لم يكتشفوا أنفسهم بشكل جيد وعميق ليستثمروا نقاط قوتهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع والفائدة، ولم يكن الوالدان على مستوى كافٍ من الوعي ليكتشفوا مواهب أطفالهم ويعززوها منذ الصغر.

كلنا اليوم نعيش بين الفشل والنجاح. فمنا من صار بارزًا «ناجحًا» في تجارته، ولكن على حساب أسرته وعلاقته بزوجه وأولاده. ومنا من يُضرب به المثل في تفانيه في عمله، ولكنه منعزل اجتماعيا عن عائلته ومحيطه. ومنا من كانت زوجة أو أما رائعة، ولكنها مقصرة في بناء نفسها ثقافيا أو دينيا. ومنا ومنا ومنا، فنحن لا نعيش في مجتمع ملائكي، ولسنا مثاليين، ولا يمكن أن نكون كلنا ناجحين في كل شيء نفعله أو نكلف به، ولكن علينا المحاولة الجادة في خلق التوازن بين مسؤولياتنا وأدوارنا في الحياة.

خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لقَّبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسيف الله المسلول، فهو إذن «ناجح» في مجال القيادة العسكرية، بل ومتميز به حد التفرد، ولكنه -رضي الله عنه- لم يكن يحفظ من القرآن الكريم إلا قصار السور، فهل نقول إنه «فاشل» في هذا المجال -وحاشاه- مقارنة مع ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة؟!

هل تعلم أن حسان بن ثابت -رضي الله عنه- شاعر رسول الله لم يكن فارسا شجاعا يخوض المعارك، ولكن كان يحمل سيفه شعرا ينافح به عن رسول الله ويذود عنه بالكلمة، حتى قال له رسول الله: «اهجهم وروح القدس معك»؟!

فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحكمته كان يوظف طاقات أصحابه فيما يحسنون ويبدعون. وهذا ما علينا فعله لأنفسنا وأطفالنا والعاملين معنا، أن نعرف نقاط القوة لدى كل شخص لنستثمرها ونوظفها التوظيف الأمثل.

فكر في «النجاح» واعمل له، ولكن تقبَّل «الفشل» حال وقوعه، وتعلَّم من أخطائك، ففيه من الدروس ما يمكن أن يكون سببا لنجاحات عظيمة قادمة، وسيساعدك إذا استفدت منه أن تكون شخصًا أفضل.