سامي الجاسم

تعجبك الابتسامة، ويُبهرك الهندام، وتجزم بحتمية سعادة صاحبها وكأنك تجهل أن النفوس أبواب مغلقة، متى ما فتحت أقفالها انكشف منها ما يجعلك مذهولاً حائراً.

نحن البشر دائماً نحكم على المظهر ولا نرى الجوهر ونغفل عن أهمية العمق والباطن والمكنون في شخصية البشر، ونمجد الأشخاص بالظاهر منهم، بينما ما بداخل شخصياتهم لا يعنينا.

تبهرنا الأغلفة، ولا نتعلق بالمضمون، فتشدنا الأشكال لأننا نهتم بالخارج ونتجاهل الداخل.

عندما تمنح نفسك فرصة لتعرف الآخرين على حقيقتهم، ومن واقع حالهم الفعلي ستزدري نفسك، وستجد أن أغلب أحكامك كانت خاطئة وهامشية، فالناس الذين تعتقد أنهم سعداء قد يكونون في قمة تعاساتهم، والذين يبهرك نجاحهم وتفوقهم قد يعيشون ظروفاً صعبة وحرجة.

ما تحمله القلوب، وما تعيشه النفوس، قد نجهله ولا نعرفه، فليس كل ما نراه يعبّر عن الواقع فالحياة ليست كما نراها دائمًا، هي مزيج من فرح وترح وحزن وسعادة وجوهر ومظهر.

أخبرني أحدهم أن الناس يجزمون برفاهية حياته عندما شاهدوا جمال هندامه ودوام ابتسامته، بينما واقع حاله مؤلم وهذا ما لا يدركه الآخرون عنه، فلا تستند في حكمك دائمًا على الظاهر، فهو ليس مقياسًا صادقًا ونهائيًّا.

يظهر الناس من حياتهم ما لا نعلمه ولا ندركه، فالدنيا خفايا وأسرار، وليست هذه الخفايا والأسرار كتابًا مفتوحًا يحق للجميع الاطلاع عليه متى ما أرادوا، ولأننا لا نعلم أن عظائم الأمور تكمن فيما خفي منها، ولم يطلع عليه الناس، لذا فليكن حكمنا على الآخرين فيه من الشمولية والمصداقية ما يجعلنا نعطي بواطن الأمور وظواهرها، لدى من نعرفهم أو نتعامل معهم، حقها من رؤيتنا الثاقبة دون تعجّل.

الحياة لا تقف على شكل أو مظهر، فالجوهر هو العمق وهو المحتوى الذي نبحث عنه ونريده في شخصيات مَن نعرفهم.

ما أروع أن يجتمع جمال المظهر مع القيمة العالية التي يحملها جوهرنا، وهذا التمازج هو الأهم الذي نريد تحقيقه والوصول له.

لا نستطيع أن نقول إن الزمن تغيَّر أو مستوى فكر الناس تبدل، فالحقيقة الساطعة لا يستطيع أحد حجبها أو منعها، وفي النهاية سيرحل فكر المتصنعين، ويبقى الفكر الحقيقي المؤثر فينا، حيث توافق الجوهر والمظهر، دون أن يكون الهندام وحده مقياس الحكم على مستوى وفكر أحد من الناس.

@samialjasim1