تختلف الأشخاص وتتباين ردود أفعالهم للدرجة التي جعلت بعضهم قادرًا على خوض معارك الحياة بثقة وطمأنينة، ويمشي فيها بخُطى ثابتة، بينما البعض الآخر على العكس تمامًا، ولماذا تنجح قلة في الحفاظ على حالة التوازن، بينما يفشل آخرون؟ وتتضح الإجابة عن هذا التساؤل إذا علمنا بأن التوازن في حياة الإنسان هو السر والعامل الأساسي الذي يشمل الإنسان من حيث هو كل متكامل، فيشمل روحه وعقله وقلبه وجسده بشكل متكامل دون تجزئتها أو استثناء أو إلغاء أي جزء فيها، وتُعدُّ الشخصية المتوازنة من أهم الشخصيات التي بها توافق وسلام نفسيًّا والشخص المتوازن في كل أموره يكون معتدلًا في شؤونه الخاصة والعامة، فلا غلو ولا تقصير ولا إفراط ولا تفريط، ومن أهم الصفات التي تجعلنا نكتسب صفة التوازن في سلوكياتنا وتتوافق نتائجها مع بوصلة الأخلاق المتزنة، اكتساب مجموعة من السلوكيات التي تجعلنا نعيش عيشة هادئة مستقرة فيها المرونة والترغيب في السماحة لكافة المعاملات، وهذا مبدأ أصيل أشار إليه النبي «صلى الله عليه وسلم» في الحديث الشريف «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، فالشخصية المتزنة وفق هذا المبدأ النبوي شخصية ناجحة فيها السماحة والرفق، واستطاعت بأسلوبها أن تحترم الناس، وتتحمّل المسؤولية، وعندها تفهّم لآخرين وتكسب ولاءهم وقادرة على التسامح فيمن أخطأ في حقها، ولديها سيطرة على انفعالاتها ودائمًا متفائلة بأن القادم أفضل، وتتحكم في غضبها بعقلانية لا تؤذي الآخرين، وتتجنب الضغوطات قدر المستطاع، وتتطور المهارات التي تصل بها إلى التوازن المنشود، لذا نجدها تجذب المجتمع نحوها، وتكون العديد من العلاقات الاجتماعية مع المحيطين بها؛ لأن المجتمع دائمًا ما ينجذب نحو الشخص السهل في المعاملة، والذي يتحلى بفضائل الأخلاق، وجميل الصفات التي تعود على نفسه، وعلى مجتمعة بنتائج إيجابية، وذلك على عكس الشخصية الجامدة، والتي يبتعد عنها الناس؛ لأن الجمود صفة من صفاتها، ولا تقبل أي مطالبة بالتغيّر ومتمسكة برأيها حتى لو كان على خطأ، وبطبيعة الحال نجد أن الوصول إلى التوازن في حياة الأشخاص، ليس بالأمر السهل، بل يتطلب بذل المزيد من الجهد والطاقة الذي يستغرق حياة الإنسان كلها؛ ليصل إلى التوازن المطلوب، ويجب علينا حتى نتمتع بشخصية متوازنة ألا نكلف أنفسنا فوق طاقتها؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود صراعات داخلية تصل بنا إلى درجة الإحباط، ومن ثم يؤدي إلى سلوك غير متزن، والدعوة للوصول إلى حالة التوازن هي دعوة صريحة؛ ليستطيع الأفراد الوصول إلى السعادة والبهجة المطمئنة في حياتهم، ولن نستطيع أن نصل بهذه الدعوة لكل أفراد المجتمع إلا إذا قمنا بتوجيههم التوجيه الصريح وإرشادهم الإرشاد التربوي إلى أهم العوامل التي تؤثر في شخصياتهم، والتي تأتي على شكل مؤثرات داخلية من النفس، وعوامل خارجية من البيئة التي يعيشون فيها؛ مما يحيط بهم من عوامل ومتغيّرات، فكل ما يسبب اضطرابًا داخليًّا أو يُنشئ حالة من عدم الاستقرار والثبات تؤثر على التوازن، وهو ما يجعل الأفراد غير قادرين على التكيف مع ضغوطات ومشاكل الحياة وغير مؤهّلين التأهيل الكافي لمجابهة المتاعب والأزمات؛ مما يجعل النفس تتصف بحالة من عدم الشعور بالتوازن؛ لذا يجب على كل فرد حتى يصل إلى التوازن المنشود أن يتعرف على أهم المؤثرات التي يكون لها دور سلبي في التأثير على شخصيته، ويقف عليها، ويحاول جيدًا معالجاتها، وإن وجود التوازن يعني وجود الصحة النفسية، وفقدانه يؤدي إلى العديد من الاضطرابات والمشكلات النفسية، ويكمن جوهر الشعور بالتوازن في النتائج التي تترتب عليه من الشعور بالحب والتقدير من قِبَل المحيطين بالفرد كالوالدين والأصدقاء والبيئة التي يعيش فيها، بالإضافة إلى شعوره بالانتماء والاستقرار.
وخلاصة القول.. نستطيع أن نقول إن التوازن في حياتنا من أهم مصادر الدعم والمساعدة التي نحتاجها في التخفيف من الضغوطات والإحباطات التي قد نتعرض لها، وكذلك زيادة الشعور بالأمن النفسي؛ مما يولد لدينا مشاعر إيجابية، ويقلل من التأثير السلبي للأحداث الخارجية التي تحيط بنا من فترة لأخرى ويعمل في الوقت نفسه على النجاح في المهنة التي نعمل بها وتحقيق الإنتاج، وإقامة علاقات اجتماعية ناجحة قادرة على تحقيق أهدافنا في ضوء فرص الحياة المتاحة أمامنا.