@LamaAlghalayiniلمى الغلاييني

لعله سؤال فترات العمر كلها، من الطفولة المبكرة إلى الشيخوخة، لكنه سؤال المراهقة الأصعب على وجه الخصوص، حين يندفع المرء إلى إثبات ذاته دون أن يعرف لأجل ماذا يجب أن يثبت ذاته؟ لماذا أعيش؟ ويشبه الأمر أن يُسحب الإنسان فجأة فينظر إلى أين يُسحب قبل النظر إلى مَن يسحبه، ولأجل ذلك فمن الطبيعي أن يسبق سؤال: لماذا نعيش الحياة؟ سؤال أهم وهو كيف تُعاش الحياة؟، فالسؤال الأول هو سؤال لحظة التمرد، لماذا أفعل؟ لماذا أتعلم؟ لماذا أعمل؟ لماذا أتزوج؟ أما السؤال الثاني فهو سؤال لحظة التفكر والهدوء، والذي قد يتخذ صِيغًا مثل: كيف أفعل؟، كيف أتعلّم؟، كيف أتزوّج؟، وأن يترك المرء سؤال معنى الحياة مقابل أن يعيش الحياة كما هو متاح، فهذا شائع بين الناس، ولكن هل بإمكان العاقل تفادي سؤال (لماذا)؟، من دون التوقف عن التفكير نهائيًّا، ومن دون أن يُصاب العقل بالتلف والضمور؟، حتى وإن كان المقابل سعادة المتاح.

وبالمقابل هل يمكنه أن يواصل التفكير والتأمل دون أن ينتهي به الأمر للاكتئاب، وهنا تأتي مسألة التعامل مع المعادلة الصعبة، فحين لا نُحسن التعامل مع سؤال معنى الحياة، فقد يقودنا إما للعيش ببلاهة أو العيش باكتئاب، وهذا ما يحدث مع الكثير، والخيار الآخر هو أن نُحسن التعامل مع السؤال، فهذا هو خيارنا ورهاننا كذلك، حيث يندرج معنى الحياة ضمن الحاجيات الروحية للإنسان، مثل الشعور بالانتماء والصداقة والحب، غير أنه يختلف عنهم في اقتضائه لمراعاة الحس العقلاني المغروس فطريًّا في وجدان الإنسان، طالما الأمر رهين بكل ما يعنيه المعنى من معان، وأن نلبّي الحاجة الروحية والحس العقلاني معًا، فتلك معادلة صعبة، تستدعي الكثير من الصبر والتروّي.

ولابد من الاعتراف بأن الحضارة المعاصرة هي أول حضارة تترك السؤال مفتوحًا دون أن تمارس على العقل أي نوع من الوصاية، إذًا تطرح السؤال بالمعنى الحقيقي للسؤال، وتعتبره مفتوحًا على إمكانات جديدة في فهم النفس الإنسانية، ورغم أن معظم الناس لا يحبون عناء الأسئلة، بل يفضلون الأجوبة الجاهزة لكي يتصرفوا إلى الأدوار التي توفرها لهم معيشتهم اليومية، غير أن ذلك هو تحديدًا السبب في أن تشيخ الأغلبية وتموت من دون أن تنجح في بلوغ مرحلة الرشد، ولهذا فقد حاولت الحضارة المعاصرة أن تجمع بين الشك المتجدد في سؤال المعنى، والعمل الجدي على تحسين ظروف الحياة، فالشك عامل ضروري للحياة الذكية، والتي لا يكفيها أن تجد الماء والهواء والغذاء، بل تجدد إجاباتها دومًا عن سؤال المعنى، وتواصل حمله بصبر وبصيرة، إلى أن يُثمر حياة عاقلة، وتتجاهل في مسيرتها أولئك الذين يلقون بالحمل مبكرًا، ويفرون إلى شتى أنواع المسكنات والمهدئات، فقد تؤدي تلك الأسئلة للإحباط ولحياة شاحبة حين يحاول المرء الهروب منها وكبتها أو تهدئتها بالأوهام، لكنها ستكون عامل قوة وحياة مبدعة حين يسعى للتعايش معها بقناعة وكفاءة وتدريب شاق، وهذا هو الخيار الأنيق للحياة الرشيدة.