ارتبطت العبقرية والجنون في التفكير البشري على مدار التاريخ، عزَّز ذلك ما عُرف عن بعض المبدعين أو المخترعين، من تصرفات غريبة أو أمراض عقلية، كانت واضحة عند بعضهم.
من فان جوخ الرسام الشهير الذي كان يعاني اضطرابًا ثنائي القطب، أو إسحاق نيوتين مكتشف الجاذبية الذي عانى اضطرابًا نفسيًا، ومايكل أنجلو، وجون ناش وإرنست همنغواي، وبيتهوفن، كلهم، بحسب المكتبات الصحية الوطنية الأمريكية، عانوا أمراضًا عقلية، والأعداد لا تحصى من العباقرة المجانين.
الأمر الذي ألصق في الخيال الشعبي الجنون بالإبداع، لكن هل تفضل الأمراض العقلية عقول الأذكياء، ذلك ما يثار حوله الجدل بين الدراسات العلمية والمرويات التاريخية.
العباقرة ليسوا مجانين
لا يستشري المرض العقلي في الوسط الإبداعي، وليس العباقرة مجانين، مثلما يتصور الناس أو تبالغ المرويات التاريخية في وصفهم، هكذا يقول ألبرت روتنبرغ ، أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد، في مقال له نشره موقع سايكولوجي توداي المختص في الشأن النفسي.
يكمل الأستاذ النفسي تفنيده لمقولة العباقرة مجانين، بقوله، أن ما يعانيه بعض الأفذاذ من مرض عقلي هو أمر طبيعي، ولا تتخطى نسبته معدل الإصابة العادية بين كل البشر، وفي النهاية فكل الناس معرضون للإصابة بأمراض عقلية، سواء كانوا ذوي ذكاء عال أم لا، فقط البشر يهولون الأمر فيما يخص العباقرة.
وبحسب ما يذكره روتنبرغ، فإن الأبحاث العلمية التي أجراها، أثبتت أنه لا صحة لما يشاع من استهداف الجنون للعباقرة بالذات، دون باقي فئات البشر.
جنون العبقرية فكرة قديمة
لازمت فكرة جنون العبقرية البشر منذ أن بدؤوا صناعة حضاراتهم، فمنذ آلاف السنين ويقول الناس بجنون العباقرة، ويتفقون على أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدر عال من الذكاء لديهم بعض الشرود العقلي نوعًا ما.
وإذا ألقينا نظرة خاطفة على الحضارة اليونانية القديمة، من كتاب العبقرية والجنون لصاحبه فيليب برينو، وهو عالم اجتماع وأستاذ في السوربون، سنجد أن الفلاسفة وقتها عرفوا تلك الفكرة وأقروا بها.
فهذا أفلاطون ينصح سكان أثينا بعدم تقليده في طريقة حياته، وتلميذه الأبرز أرسطو يجزم بأنه لا عبقري عاقل بشكل تام، والشخص فائق الذكاء ينتهي به الحال مجنونًا، إن لم يخرج إبداعه ذاك في عمل ما.
وعلى مدار التاريخ البشري، وفي مختلف البقاع التي ظهر فيها أفذاذ، كان الناس يعتقدون بغرابة العباقرة، ومعانتهم بعض الأمراض العقلية التي تظهر في تصرفاتهم.