صحيفة اليوم

الدرس الأمريكي

قد يلاحظ المتأمل أو المشاهد العادي الطريقة المتميزة التي تتعامل بها الروح الأمريكية في لحظات الفشل والمصائب. وقد يعتقد أيضاً القارىء أننا نتشدق بما يقوم به الأمريكان كنوع من الانبهار والتأثر. لكننا نسجل هذه الملاحظات بعين الفاحص والدارس لما يجب أن تكون عليه الامور وردود الأفعال حتى يتسنى لنا تعلم ما يجب أن نقوم به في مثل هذه الأحوال. فالحكومة تتجاوب بعد ثوان من سقوط المركبة الفضائية (كولومبيا)، والوجوه حزينة باكية والجرح والمصاب جماعي. وقد يخطر على البال عفوياً وبدون سابق إنذار حال ثلاثة ملايين عراقي لجأوا للخارج بينما صدام حسين يبتسم بسخرية ويقول مقالة معروفة لصاحبها وهي " يا جبل ما يهزك ريح". والتعاطف الجماعي ليس في هذه الحادثة فقط، بل وقف آلاف الأمريكان بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر مستعدين للتبرع، وعمليات الأسعاف ولإزالة الأنقاض، بينما أخونا العربي كان سيصرخ في ابنه ابتعد من هذا المكان حتى لا تسقط على رأسك الحجارة، أو حتى لا تتهم أنت بالتخريب"، ولبقينا في منازلنا حتى يؤذن لنا. والتعاطف الجماعي بين الأفراد ليس السمة الوحيدة للشعب الأمريكي بل روح التحدي المزروعة في داخلهم، فالمصاعب والفشل والمصائب لا تثني الفرد عن الاستمرار بل تزيد من روح التحدي والإصرار على تحقيق ما يريد. وهذه السمة ليست مزروعة في دمائهم كفطرة وهبة من الخالق، بل هي عادة مكتسبة تحرص الدولة والشعب والأسرة على زراعتها في نفوس الأفراد منذ نعومة أظفارهم. ولهذا تصر كل أسرة ونظام تربوي على ممارسة الرياضة للأطفال وخصوصاً كرة القدم الأمريكية لما ترمز له من تحد للصعوبات وتحمل المستحيل كالضرب والدفع والألم في مقابل الفوز. ويتابع كل من الأم والأب بصورة جادة وحقيقية تفوق متابعتهما للدورة الأمريكية عندما يحين موعد مباراة للابن لضرورة المساندة والتشجيع كل هذه الأمور تفهمنا لماذا يقف الرئيس ليطمئن ملايين المشاهدين من الشعب الأمريكي ليقول لهم " سنستمر في رحلاتنا الفضائية"، بينما يقف الشعب العربي برمته شامتا ومتفرجاً. وحتى نخرج من حلقة الشماتة والتفرج لموقف ضعيف ولكنه أفضل حالاً وهو أخذ الدرس والعبرة ومحاولة اكتساب عادات اجتماعية جيدة قد تفيدنا في المصائب القادمة قريباً جداً.