أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل، وأن يستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وأن يعلموا أن الدنيا متاع، وأن الآخرة هي دار القرار، وأن يستبقوا الخيرات قبل فواتها، وأن يحاسبوا أنفسهم قبل زلاتها.
وقال في خطبة الجمعة، التي ألقاها اليوم من المسجد الحرام: لقد دعت الشريعة الإسلامية إلى كل ما يحقق معنى الأخوة، ويزيد في الألفة والمودة، ورتبت الأجر والمثوبة عليه، و نهت عن كل ما يؤدي إلى الاختلاف والفتنة، فمن جملة ما حذرت الشريعة منه: سوء الظن؛ وهو التهمة بلا دليل ولا بينة، والظن السيئ لا يغني من الحق شيئًا، قال جل وعلا: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ.
حق المسلم على أخيه الوثوق به
أضاف د. ماهر المعيقلي يقول: إن حق المسلم على إخوانه أن يوثق به ويؤتمن، ولا يظن به سوءًا ولا يخون، ما دام الخير ظاهرًا على أخلاقه، وأمارات الثقة بادية على طباعه، فمَن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة والفلاح، فظن الفساد به والخيانة محرم.
ومَن ظن به سوءًا فهو آثم، وإن من ثمرات حسن الظن في الناس، أنه يفضي إلى راحة البال وطمأنينة النفس، وسعادة القلب، وسلامة الصدر، وامتثالِ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ.
المسلم لا يتتبع عورات أخيه
بيّن الشيخ ماهر المعيقلي أن الأصل في المسلم السلامة، ولا يُعدَل عنها إلا بيقين، فليس من منهج الصالحين، تتبع العورات، والبحث عن الزلات والسقطات، وسوء الظن بالمسلمين، فمَن كانت تلك سجيته، عرض نفسه لغضب الله وسخطه، وأن مَن يُعامِلُ الناسَ بالظنون الكاذبة، تجتمع فيه الأحقاد والضغائن، فتصبح معيشته ضنكا، وبصيرته عمياء، يلجأ إلى تأويلاتٍ وتخريصات، وهو في الحقيقة ضرب من ضروب العبث بالنيات.
وأضاف: إن كان المرء ليصعب عليه معرفة نيته في عمله، فكيف يتسلط على نيَّات الخلق، فمَن أراد النجاة: ظن السوء بنفسه، واجتهد في إصلاح قلبه، وتزكية نفسه، وسلامة صدره؛ واشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، دخل رجلٌ على أبي دُجانة -رضي الله عنه-، وهو في مرضه الذي مات فيه، ووجهه -رضي الله عنه- يتهلل ويقول: ما من عملٍ أَوْثق عندي من شيئين: لا أتكلم في ما لا يعنيني، وقد كان قلبي سليمًا.
النبي -صلى الله عليه وسلم- ربى أصحابه على حسن الظن
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: مَن أحب أن يختم له بخير، فليحسن الظن بالناس، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكّر أصحابه بحسن الظن، ، ويربيهم على سد منافذ الشيطان، ونزع فتيل سوء الظن.
ومن ذلك غضب -صلى الله عليه وسلم-، على أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-، عندما قتل مَن قال: لا إله إلا الله، متأولًا في نيته، قال -صلّى الله عليه وسلم- لأسامة: أَقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قال: قلت: يا رسول الهِ، إِنما قالها خوفا من السلاح، قال: أَفَلَا شققْت عن قلبه حتى تَعْلَم أقالَها أَمْ لَا؟، والمعنى: إِنمَا كُلِّفْت بما يَنْطِق به اللِّسَان، وَأَمَّا الْجنان، فليس لك طَرِيقٌ إِلَى معرفة مَا فِيهِ، فالْأَحكامَ يُعْمَلُ فِيهَا بالظواهر، وَاللَّه جل جلاله يتوَلى السرائر.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الأسباب المعينة على إحسان الظن بالآخرين، حمل كلامهم وأفعالهم على أحسن المحامل، والتماس الأعذار لهم، وقد كثرت أقوال السلف، في مدح حسن الظن والحث عليه، قال عمر بن الخطابِ -رضِي اللَّهُ عنه-: لَا يحل لامرئ مُسْلِمٍ، يَسْمَعُ منْ أخيه كَلِمَةً يظن بِهَا سُوءًا، وهو يَجِدُ لها في شَيْء مِنْ الْخير مخرجا.
د. أحمد الحذيفي خطيب المسجد النبوي: التقوى عروة لا تنفصل
في المدينة المنورة، أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ د. أحمد بن علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله عز وجل.
وقال فضيلته: اعلموا أن التقوى عروة لا تنفصل ومعقد لا ينحلّ، وثوب لا يخلق وحبل لا يرثّ، فهي كفاية ووقاية وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، أيها المؤمنون والمؤمنات إننا حين نتصفح كتاب الكون ونقلب صحائفه ونسرح طرف التأمل فيه لنتملّى بدائعه ولطائفه ليصيبنا الدهش ويتملكنا العجب من هذا الإبداع الرباني الجامع بين الكمال والجمال كمال الصنعة وجمال الصورة فلا غلبة لأحدهما ولا طغيان بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ.
وأكمل فضيلته: أيها المؤمنون إنكم لتنعمون هذه الأيام بما درّت السماء من مائها، وأنبتت الأرض من خضرائها، وما ازَّين به وجهها من حسنها وبهائها، فاغتسلت الأرض بماء المزن، واختالت في ثياب الحسن، وإنكم لتتقلبون في خصب الديار بعد جدبها، وبفيض السماء بعد قحطها.
نزول الغيث دليل ربوبية الله
أضاف د. الحذيفي: أيها المؤمنون إن نزول الغيث من أعظم الدلائل على ربوبية الله وقدرته ووحدانية، وانفراده بالخلق والتدبير، دلالة تستلزم توحيده بالعبادة والألوهية، فالمنفرد بالربوبية هو المستحق وحده للعبادة.
واختتم فضيلة الشيخ د. أحمد الحذيفي الخطبة بقوله: ألا وإن المؤمن يتذكر بنزول الغيث وتبدل الأحوال من الخصب إلى الجدب أن هذه الدنيا لا تدوم شدائدها ولا تمتد مسراتها، فتعظم رغبته في دار النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، ولا يعظم في صدره ما قد ينزل به، قال تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.