ليالي الفرج

‏@f_lialy

يقول الكاتب التشيلي روبرتو بولانيو «إذا ابتعدت عن الغضب، ابتعدت عن الخطأ» فكيف إذا وقع هذا الخطأ في دائرة عملية تربية الأبناء، وعلى وجه الدقة والحصر، في مرحلة الطفولة المبكرة. حتما ستكون نتائج وآثار هذا الخطأ فادحة وكارثية ودائمة على مستوى الصحة النفسية والفسيولوجية للطفل.

ومقاربة لمقولة أحدهم «إن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته بعشرين عاما» يتجلى مدى عمق هذا القول ويبدو جليا تبيان مدى علاقة تكوين الأم الذهني والنفسي والسلوكي بالأثر الفعلي على صحة الطفل ونشأته، فهناك ثمة ارتباط ناقل لشحنات النوبات العصبية المفرطة الصادرة من الأم إلى طفلها، ففي لحظات خوفه وتوتره المتزامنة مع حالة الأم العصبية، يبدأ يفرز من نخاع الغدة الكظرية ما يعرف بهرمون الخوف (Hormone Adrenaline)، والذي تظهر آثاره على الطفل بشكل سلبي، وكناتج لتلك الظروف العاصفة التي يتعرض لها الطفل، تظهر عليه أعراض مرضية كالتبول اللاإرادي، ونوبات من العصبية، ومشاكل في النطق والتوحد، وعدم الثقة بالنفس والشعور الدائم بالخوف، ويصبح جسمه عرضة لمشاكل أخرى في المستقبل.

وفي ذات الخصوص، يصف علماء النفس والاجتماع الأمهات العصبيات كمن يفقد عقله وفي يده سلاح أو أداة حادة يصوبها نحو من حوله، فيؤذيهم بها دون وعي وإدراك.

وفي ذات التداعيات لهذه المشكلة، عند تقادم العمر لهذا الطفل تتشكل شخصية عدوانية وناقمة على دائرتها الاجتماعية، وبالأخص الأفراد الذين يتمتعون بعلاقات صحية طبيعية يسودها التآلف الذي افتقده في فترة طفولته.

واقعا، معالجة هذا الانفلات في التحكم في الأعصاب لدى الأمهات على وجه التحديد ولا نستثني الآباء أو أي فرد من العائلة المصابين بالعصبية المفرطة، تقع المسؤولية على أفراد محيط هذا المجتمع العائلي للمصاب، فهذا المبتلى بالعصبية المفرطة يحتاج أن يستند إلى المقربين ليكونوا له عونا لمعالجته، غير أن كل المحاولات لن تنجح إذا لم يتخذ قراره بالأخذ بالأسباب للخروج من دائرة ‏العنف النفسي الذي له من الآثار المدمرة على المدى البعيد. «ليس على المرء حرج من الاعتراف بخطئه، فهذا يعني قوله بكلمات أخرى أنه اليوم أكثر حكمة مما كان بالأمس»..

ولأن الغضب بشكل عام يحدث خللا في عملية التفكير وانعدام القدرة على التصرف بحكمة، لأنه يؤثر على الاتزان العقلي، لذلك أبسط ما يتطلب منا هو تخفيف نوبات الغضب وإزالة المسبب الذي يرفع من وتيرتها، كالابتعاد عن مصدر هذا الغضب - محاولة الاسترخاء وأخذ نفس عميق - ممارسة رياضة المشي أو أي نوع من الرياضة وغيرها من الاقتراحات المساعدة لإخماد هذه النوبة. حقيقة، بالوعي وبتعاون العائلة نحسن إدارة السلوك الإنساني السلبي، والتخفيف أو التخلص من كل ما يؤذي فردا على هذه الخليقة. لنحرص دائما على حفظ القلوب من الأذى.