@Nayefcom
يمر طفل بين يديك، فلا تملك إلا أن تستسلم لبراءته، وتبتسم لمشيته، الـتي تشبه الـبطريق، وتحتفي به كأعز صديق، وتروق لـك إطلالـته - أيًا كانت- فهو في عينيك أنيق، وتضحك على ردود فعله وعفويته، في حين أنك تفجع إذا ما رأيت صور طفولتك، وكأنها ليست لـك، وكلنا فيما أظن كذلك.
فما سر ضحكاتنا علـى أيام طفولـتنا، أهو عجب من عظيم الـثقة الـتي جعلـتنا نقف أمام الـكاميرا؛ لـتوثيق تلـك الـكوارث، أم هـو اشتياق للعودة بنا إلـى تلك الحقبة من أيامنا، حينما كانت الـلـعبة غالـية علـينا، وكأنها ثروة عظيمة بأيدينا، حتى كبرنا وكبرت معاني الأشياء في أنفسنا، وعظم معها حجم ما يحيط بنا، فلم يعُد أي شيء يُفرحنا، وليس من السهل لأي رأي أن يقنعنا، حتى الحزن تعاظم في قلوبنا، وعظم معه حجم الفقد بحجم مَن فقدنا.
تذهلـنا في الـطفولـة تفاصيلنا، هندامنا، مقتنياتنا، صداقاتنا العزيزة التي تلاشت معها مشاعرنا أو كادت، فلـم يعُد لأي منها سوى جمال الذكرى، فنبتسم. فما كان غاليًا في فترة، قد لا تكون له قيمة أو وجود في أخرى... وما كان عزيزًا لم يعُد، ومن كان قريبًا ابتعد... فهل يا ترى بعد عقد أو عقدين، سنضحك على ما نحن عليه الآن؟ وتذهلنا تفاصيل الزمان والمكان، والأشكال والـصحب، وما نكره وما نحب؟ ربما... ولـربما سنحمد الله الـذي وفقنا لـتجاوز جمال الحاضر إلـى ما هو أجمل منه في قادم الأيام، حينها سندرك يقينًا أن أعظم أحلامنا واهتماماتنا - مهما كانت- ستختلف بعد حين، وأن من الـغبن أن نُهدر لحظة بالتحسّر على ما مضى وقد انقضى، وألا نعيش جمال الحاضر الـذي إن فات مات، ونضيعه بترقب ما هـو آت، وهو باختصار ما حكاه الـكِندي بقولـه : »نحن لا نريد أن نحزن، ومع ذلك نفعل ما يحزننا« .
إن كل ما يُحيط بنا في هـذه الحياة - مهما كان غاليًا- فهو إلى حين، إلا الـروح غالية في كل حين، فتراك تقول إن رأيت ما يسرّك »ردت إليّ روحي« ، وتفادي بها وطنك ومليكك، وتنادي بها حبيبك، فهي سر الـسعادة في حياتك، والـقوة الداخلية التي قال عنها الرافعي: »تجعل الأحسن أحسن مما هـو، وتمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو« . فما الحياة إن لـم نسعد بما نملـك ومَن نحب، ونذهل بما يذهلنا، ونفرح بما يفرحنا، ونتلذذ بلحظاتنا، قبل أن تفقد روعتها في أعيننا، أو تضعف عنها هِمَّتنا، أو تتغيَّر مع الزمان أمزجتنا.