مع كثرة التواصل بين الناس، سواء واقعيًّا أو افتراضيًّا، وسهولة توافر كثير من السبل إلى ذلك، أصبحت النقاشات وطرح المواضيع أكثر فاعلية وربما موضوعية، خاصة أن حراك الحياة أصبح أكثر حيوية وديناميكية، من خلال ما سمعت وشاهدت ورأيت وأصبت وأخطأت، أرى أن النقاشات والآراء تبنى على الميول أو التوجّه أو الاهتمام أو مقدار الحياد والإنصاف لدى المتحدث، وربما أسباب أخرى أجهلها أو تجهلني، المهم أن كل ذلك يؤثر على الرأي المطروح لمادة النقاش، كما أن المتلقي أيضًا يستمع لذلك الرأي لنفس النقاش، وهو متأثر كذلك بالميول أو التوجّه أو الاهتمام أو مقدار الحياد والإنصاف. إلى هنا الأمور في السليم، المشكلة الكبرى والعظمى هي ما بعد ذلك حين تتقاطع الآراء والتوجهات أو بالأصح ما بعد ذلك التقاطع؛ لأن التقاطع أيضًا لا مشكلة فيه، يتم تصنيف الناس بـ «مع» فقط أو «ضد» فقط، فإن لم تكن معه فأنت بالتالي وبشكل تلقائي ضده، وينطبق عليه القول الشائع إن لم تكن معي فأنت ضدي. هنا تضرب كل عوامل التعايش والتكامل عرض الحائط وكأن البشر يجب أن يكونوا موجة واحدة وسط البحر، نعم إن كانت القضية تخص الدين أو الوطن أو اللحمة فهنا القول واحد والاتجاه واحد، ولكن إذا كان الاختلاف لا يفسد للود قضية، فما المانع أن نقف بشكل متوازٍ لا نتبنى آراء بعضنا، ولكننا لا نعارضها فتمضي الحياة بسعادة وسلام وطمأنينة. الكثيرون يطرحون مواضيع الحياة المختلفة كالتربية والسفر، وبناء المنزل والسيارات والأمور الاقتصادية والزواج، وكأن الحلول لمشاكلها كتاب واحد لقول واحد لا ثاني له، قلنا إن الآراء تتعدد وتتنوّع بتعدد وتنوّع الثقافات المختلفة للناس، بعضهم يريدك إما أن تكون خلف طابوره داعمًا ومساندًا ومصفقًا ومشجعًا أو في الطابور المعاكس أمامه معاديًا رافضًا شاجبًا مستنكرًا، كل هؤلاء لا يدركون أننا من الممكن أن نتكامل ولا نتقاطع. لنا في رسول الله «صلى الله عليه وسلم» معلم الحياة وسيد البشرية دروس لا نهاية لها، كان يمانع ويقبل ويرفض ولا يعارض وينهى ويبيح ويشترط ويزجر ويبيّن ويوضح ويستثني ويعمم ويخص. مشكلة كل نقاش هو إما إجبار طرف أن يخضع لرأي طرف وإلا فالأمر انتهى هناك رأي صحيح، وهناك رأي صحيح ثان، وهناك رأي صحيح ثالث أيضًا، وليس بالضرورة أن تتعارض كل الحلول فخذ ما يناسبك ولا تعارض ما لا يناسبك، اقبله دون أن تتبناه واعتبره خيارًا مفضلًا لغيرك مثل خياراتك المفضلة، فلو اتفق الناس على رأي واحد وخيار واحد لكسد العالم كله، واختل توازنه.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل «بإذن الله»، أودعكم قائلًا: (النيات الطيبة لا تخسر أبدًا).. في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi