لم يكن إسقاط المنطاد الصيني المحلق في سماء الولايات المتحدة مجرد أزمة عابرة بين بكين واشنطن، إنما باب جديد لمعركة فيما يسمى الفضاء القريب الموجود على ارتفاع يتراوح بين 12 و60 ميلًا فوق سطح الأرض في طبقة رقيقة من الغلاف الجوي.
الفضاء القريب يقع بالقرب من ممرات الطيران لمعظم الطائرات التجارية والعسكرية وأسفل الأقمار الصناعية، وبالقرب من الفضاء هو منطقة بينية يمكن لرحلات الفضاء أن تمر من خلالها - ولكنه أيضًا مجال تعبر فيه الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والصواريخ الباليستية.
إحياء تقنية قديمة
بحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن، أولت الصين اهتمامًا وثيقًا للتطورات التي شهدتها الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة، والتي أشاد بها الخبراء العسكريون الصينيون باعتبارها جبهة عسكرية جديدة ومجالًا مهمًا للمنافسة بين القوى العسكرية في العالم.
يضاف إلى ذلك تطوير سفن عالية التقنية مثل الطائرات بدون طيار التي تعمل بالطاقة الشمسية والمركبات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تعمل الصين أيضًا على إحياء تقنية عمرها عقود للاستفادة من هذه المنطقة من الغلاف الجوي عبر مركبات أخف من الهواء، وهي تشمل مناطيد الستراتوسفير وبالونات عالية الارتفاع مثل تلك التي إسقاطها السبت الماضي.
تقول الصين إن المنطاد عبارة عن مركبة أبحاث مدنية، على الرغم من مزاعم المسؤولين الأمريكيين بأن الجهاز كان جزءًا من برنامج مراقبة صيني واسع النطاق.
مع بدء تحليل الأجزاء المستردة من الجهاز الذي جرى إسقاطه، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية يوم الخميس، إن البالون كان قادرًا على إجراء عمليات جمع معلومات استخباراتية ، وكان جزءًا من أسطول طار فوق أكثر من 40 دولة عبر القارات الخمس، وهو الادعاء الذي رفضته الصين بشكل قاطع.
بينما لا تزال هناك أسئلة حول هذا الحادث، يكشف فحص تقارير وسائل الإعلام الحكومية الصينية والأوراق العلمية عن اهتمام البلاد المتزايد بهذه المركبات الأخف من الهواء، والتي روج الخبراء العسكريون الصينيون لاستخدامها في مجموعة واسعة من الأغراض من بينها الاستطلاع والمراقبة.
لم تبدأ الصين اليوم أو حتى في الأمس القريب، أبحاثها حول المناطيد عالية الارتفاع بل تعود جهودها إلى أواخر السبعينيات، بينما على مدى العقد الماضي، كان هناك تركيز متجدد على استخدام التكنولوجيا القديمة المدعومة بأجهزة جديدة، حيث عززت القوى الكبرى في جميع أنحاء العالم قدراتها في السماء.
الترويج للمناطيد
في مقال نشرته صحيفة PLA اليومية في عام 2018، والجريدة الرسمية لجيش التحرير الشعبي، ذكر أن مساحة مواجهة المعلومات مقتصرة على الأرض والبحر والارتفاعات المنخفضة، وأصبح الفضاء القريب أيضًا ساحة معركة جديدة في الحرب الحديثة وجزءًا مهمًا من نظام الأمن القومي.
وأضافت الصحيفة أن مجموعة من مركبات الطيران في الفضاء القريب ستلعب دورًا حيويًا في العمليات القتالية المشتركة المستقبلية التي تدمج الفضاء الخارجي والغلاف الجوي للأرض.
وحث الزعيم الصيني شي جين بينج القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي على تسريع التكامل الجوي والفضائي وشحذ قدراتها الهجومية والدفاعية في وقت مبكر من عام 2014 ، وحدد الخبراء العسكريون الفضاء القريب كحلقة وصل حاسمة في هذا التكامل.
على الصعيد العلمي ظهر الخبير العسكري سلط تشينج وانمين، في مقطع فيديو عبر وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا، يشرح كيف يمكن للمركبات الأخف وزنًا من الهواء في الفضاء القريب مراقبة والتقاط صور ومقاطع فيديو عالية الدقة بتكلفة أقل بكثير مقارنة بالأقمار الصناعية.
وسلط الضوء الضوء على التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى في تطوير هذه المركبات، مضيفًا أن الصين حققت أيضًا اختراقات خاصة بها.
الفضاء القريب
الصين ليست وحدها التي تخوض المنافسة في تقنيات الفضاء القريب ومركباته الرصدية، وبحسب التقرير، عززت الولايات المتحدة قدرتها على استخدام مركبات أخف من الهواء في عام 2021، إذ تعاقد البنتاجون مع شركة طيران أمريكية للعمل على استخدام بالونات الستراتوسفير كوسيلة لتطوير صورة تشغيل أكثر اكتمالًا وتطبيق التأثيرات على ساحة المعركة.
وصرح بريندان مولفاني، مدير معهد دراسات الفضاء الصيني (CASI)، وهو مركز أبحاث يخدم القوات الجوية الأمريكية، بأن تلك التقنيات ليست خاصة بالصين، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ودولًا أخرى تعمل أيضًا على تطوير طائرات عالية الارتفاع وبالونات ومركبات مماثلة.
وأكمل الخبير الذي ألف ورقة بحثية في عام 2020 تناولت بالتفصيل اهتمام الصين باستخدام مركبات أخف من الهواء في الفضاء القريب استطلاع، أن الصين تبدو مدركة تمامًا لإمكانية قيام دول أخرى باستخدام البالونات للتجسس.
وقال مولفاني إنه سواء جرى وصف البالون الصيني بأنه مزدوج الاستخدام أو مملوك للدولة، فإن البيانات التي جرى جمعها ستعود إلى الصين، التي تتلقى الآن نوعًا آخر من المعلومات من الحادث.