سالم اليامي يكتب:salemalyami @

غالبا نعترف لأنفسنا، وللناس، بحقيقة أن البشر ليسوا بضاعة واحدة، فهناك من يثير في الناس الأنس، والفرح، والسرور، وهناك من يكدر ساعات الصفا التي يعيشها، أو يحاول أن يعيشها البعض. ذات مرة سألت قريبي أبا مهدي - غفر الله له - عن الناس الذين يحملون الآخرين فوق طاقتهم من الهم، والغم، ويثيرون أسوأ الذكريات، في الوقت الذي كان بمقدورهم وبدون عناء كبير أن يكونوا أكثر لطفا، ورقة، وتهذيبا.

قال لي كعادته غفر الله له ولأموات المسلمين:

* شف يا ولدي...

واعتدل في جلسته ثم واصل:

* هناك من بين البشر من لا يحسنون إلا تشويش الطمأنينة والهدوء عند الناس، خاصة في المجالس التي يرتادونها، فتجد الواحد منهم ينبش في ماضي الحاضرين، خاصة إذا كانت المعرفة بعيدة بينهم، ويذكرهم، هم والحاضرين بأحداث ليست جيدة أو غير محببة للنفس، مثل بعض أوقات الضعف، أو الفشل، أو عدم التوفيق في التصرف. سكت أبو مهدي رحمه الله حتى خُيّل إليّ أنه أنهى حديثه، أو فكرته. فسألته وماذا هناك أيضا يا عم بارك الله فيك؟ عاد الرجل إلى طريقة جلوسه السابقة حيث يتكئ على مجموعة وسائد وقال:

* اركد وأنا عمك! بيجيك العلم...

وتابع وكأنه يكمل رسم المشهد الذي بدأ بتكوينه في جولة حديثه السابقة، وقال:

* شف يا ولدي بارك الله فيك

وكانت هذه لزمة يقولها لمن حوله دائما، وتابع:

* الناس كما هم منذ عرفنا الدنيا، ليس فيهم القوي دائما، وليس فيهم من يحسن التصرف دائما، وليس فيهم من لم يمر بحالات ضعف، أو قصور، أو خطأ، في قول أو فعل، هذه طبيعتنا كمخلوقات في الحياة الدنيا، وعيب ذلك الصنف من الناس الذين ينقضون الجراح، ويقلبون المواجع، أنهم لا يتذكرون إلا تلك الحالات غير المحببة التي قام بها غيرهم مجبرين، وفي لحظات خاصة، والكارثة أنهم لا يحتفظون بها لأنفسهم، بل يسعون وبشكل أقرب ما يكون بالمتعمد إلى ذكرها على الملأ وفي المجالس العامة. شعرت بأن الرجل تكلم كثيرا وربما هو بحاجة إلى فنجان آخر من القهوة، مددته إليه وهو يعتدل في جلسته ويتابع:

* الخطير في الأمر، أن البعض لا يتحمل مثل هذه السلوكيات الثقيلة. وقد يتصرف بشكل غير متوقع يضع من يستعيد الذكريات والمواقف السيئة في مأزق، كأن يسمعه ألفاظا غير لائقة.

سكت الرجل فجأة، وتابع من دون أن يقاطعه أحد:

- نسأل الله أن يجنبنا هذه النوعيات من البشر.