سكون البديوي

«دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَطِب نَفسًا إِذا حَكَمَ القَضاءُ... وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ». (الشافعي)

كيف لنا أن ندع الأيام تفعل ما تشاء والحنين يقتلنا جميعًا إلى ذكريات لن تعود وأرواحنا تطرق نوافذ الذكرى كالمطر، هناك في المنزل الطيني الكبير عالقة أرواحنا بها، ولم تخرج أبدًا.

وهناك في تلك القرية في طرقها المليئة بالغبار وترابها العالق على ملابسنا وأظافرنا ورائحة (الطبينة) بين النخيل العالقة في أنوفنا والبشر البسطاء يتردد دائمًا على لسانهم الكلمات كالمسك، حيث كان هناك الجار لا ينام إلا وهو مطمئن على جاره، هل يا ترى هو شبع؟ هل هو بخير؟

فقد تغيّر الدهر وسار إلى الأمام، كنا بالأمس نحب ما مضى من الدهر ونهواه، فأصبحنا اليوم نشكو ونخشاه، وكنا بالأمس نسير متحمسين لنكبر ونسير نحو القمم والجبال إلى حيث تكمن هناك العواصف الشديدة، وتتولد الرعود العاصفة، فأصبحنا اليوم نمشي رويدًا حذرين من الغد، ونتمنى أن نعود إلى حيث ما كنا.

كبرنا، وليتنا لم نكبر لنرى أين كنا وكيف صرنا؟، اليوم كما نرى أصبح الخليل لأصحابه غبيًّا والوفاء بالوعود والعهود ضعيفًا، والطيبون شكّلوها تحت مسمى (التصنع والنفاق)، وقليلًا جدًّا الفوز بمعركة الحب؛ لأن الحب للشجعان.. هناك الكثير لكن لا يوجد على الأرض أقوى من ذاكرة المظلوم، وأضعف من ذاكرة الظالم.

كنا نترنم بأغاني الحياة قبل أن نعرفها، ولما عرفناها تحوَّلت الألفاظ، من فمنا إلى لهاث، ألا فأخبِرونا ما هذه الشعلة التي تتآكل في صدرونا؟ ما هذه الأيدي الخفية والخشنة التي تقبض أرواحنا؟ نسهر محدقين لما لا نراه ومصغين لما لا نسمعه، باكين مرتعبين لما ينتظرنا، وما هذا الذي ندعوه ودًّا؟ وما هذا الذي ندعوه خليلًا؟ وما هذا الذي ندعوه قريبًا؟ أخبِرونا ما السر الخفي خلف الدهر المختبئ، والساكن في ضمير الوجود؟

وقفت بالأمس أتساءل وأسأل نفسي: هل الحياة حقًّا هكذا؟ فمر أمامي كهلًا يجس الأرض بعكازه وقال منتحبًا: الحياة حلم جميل يبتدئ ببدء الطفولة، ويكشف الخفايا في الشباب وفي الشيخوخة يدفننا بالحنين للذكريات بين اليقظة واليقظة.

@Skuoonali