رويترز - أنطاكية / إسطنبول

قالت كوثر إنها سمعت ولديها المحاصرين تحت أنقاض المبنى المنهار الذي كانوا يعيشون به في مدينة أنطاكية التركية، لكنها ظلت تستغيث ليومين دون أن تجد مسؤولًا عن عمليات الاستجابة للطوارئ يأمر بإنقاذهما.

وقالت يوم الثلاثاء الماضي، وهي تقف في أحد الشوارع وسط المدينة، حيث انهار ما لا يقل عن 12 مبنى: الكل يقولون إنهم ليسوا مسؤولين. لا يمكننا العثور على المسؤول.. ظللت أتوسل وأتوسل من أجل رافعة واحدة فقط لرفع الخرسانة.

وأضافت: الوقت ينفد. رافعة، لوجه الله. وفي اليوم التالي، قال الجيران إنه لم يجر انتشال أي ناجين آخرين من تحت حطام المبنى.

شكاوى من استجابة الطوارئ

يقول الكثيرون في تركيا إنه كان من الممكن إنقاذ مزيد من الناس بعد الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، والذي ضرب جنوب البلاد وسوريا المجاورة قبل أسبوع إذا ما كانت الاستجابة للطوارئ أسرع وأفضل تنظيمًا.

عشرات السكان والمسعفين المنهكين عبّروا عن قلة حيلتهم إزاء نقص المياه والغذاء والدواء وأكياس الجثث والرافعات في منطقة الكارثة في الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، ما ترك مئات الآلاف يدبرون أمورهم بأنفسهم في عز الشتاء.

تجاوز إجمالي عدد القتلى في البلدين حتى اليوم الإثنين 37 ألفًا، مما يجعل الزلزال الأكثر فتكًا في تركيا منذ عام 1939 ومن أسوأ الكوارث الطبيعية في العالم القرن الجاري.

وقال طبيب يعمل في مدينة أديامان جنوب شرق تركيا في لقاء نظمته الجمعية الطبية التركية: المشكلة بشكل عام هنا هي التنظيم، لا سيما فيما يتعلق بمجال الصحة.

وأضاف أنه لم يكن هناك أكياس جثث كافية لأعداد القتلى، خاصة في أول يومين بعد الزلزال.

التوسل للفرق المحلية

في مدينتي أنطاكية وكهرمان مرعش بالقرب من مركز الزلزال، رأى شهود عيان عددًا قليلًا جدًا من فرق الإنقاذ في الساعات الثماني والأربعين الأولى.

وقال بعض الناجين إنهم حاولوا الاتصال بإدارة الكوارث والطوارئ التركية آفاد دون جدوى، وانتهى بهم الأمر إلى التوسل للفرق المحلية لإنقاذ أقاربهم من تحت الأنقاض فقط ليجري إخبارهم بأن مثل هذه الطلبات يجب أن تمر عبر مراكز التنسيق التابعة لآفاد، حسبما قال شهود عيان.

وعند سؤالها بشأن جهود الإنقاذ أحالت الدائرة الصحفية لآفاد الأسئلة إلى وزارة الداخلية، قائلة إن فرقها مشغولة في المواقع. ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للتعليق.

وجرى تكليف آفاد، التي تضم 7300 فرد وأكثر من 600 ألف متطوع، منذ عام 2009 بتنسيق جهود التعامل مع الكوارث وتقديم المساعدات في تركيا إلى جانب منظمات تركية وأجنبية أخرى.

وقالت الإدارة يوم السبت في إحاطة علنية دورية إن أكثر من 218 ألف فرد من فرقها ومن قوات الشرطة وشرطة الدرك والجيش والمتطوعين وغيرهم منتشرون الآن في منطقة الزلزال.

ومع ذلك، لم يرد كبار مسؤولي آفاد علنًا على انتقادات بعض السكان لبطء استجابتها.

تقييد حرية الجيش

عزا خبيران التأخير جزئيًا إلى مركزية الاستجابة للطوارئ مع خضوع آفاد لإدارة حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وقالا إن هذا شمل تقييد حرية الجيش في نشر قواته دون تعليمات مباشرة من السلطات المدنية، وتهميش فرق الاستجابة الأولى الأخرى مثل الهلال الأحمر ومنظمة أكوت للبحث والإنقاذ.

ولم يرد مكتب أردوغان على طلبات للتعليق. وقال مسؤول كبير طلب عدم ذكر اسمه، إنه كان من الممكن أن تكون السلطات مستعدة بشكل أفضل من خلال تخزين المزيد من الإسعافات الأولية والأدوية والبطانيات في مستودعات بمنطقة معروفة بأنها معرضة للزلازل.

أقر أردوغان، الذي يواجه انتخابات حامية الوطيس العام الجاري بعد عقدين له في السلطة، الأسبوع الماضي بأن جهود البحث والإنقاذ لم تكن بالسرعة التي أرادتها الحكومة قائلا إن هذا يرجع جزئيًا إلى سوء الأحوال الجوية والطرق المتضررة التي أعاقت التحركات المبكرة في المنطقة المنكوبة التي تمتد على مسافة 450 كيلومترًا.

ورفض أردوغان، الذي ساهم انتقاده لجهود الاستجابة لزلزال كبير عام 1999 جزئيًا في بزوغ نجمه منذ أكثر من عقدين، الانتقادات الموجهة لاستجابة إدارته للكارثة الشهر الجاري.

ووصف منسق الأمم المتحدة للإغاثة مارتن جريفيث خلال كلمة في كهرمان مرعش يوم السبت استجابة تركيا بأنها استثنائية نظرًا للحجم التاريخي لكارثة الزلزال.

وقال في إشارة واضحة إلى الانتقادات: من واقع خبرتي، يشعر الناس دائما بخيبة أمل في البداية.

أخطاء في تقييم الأضرار

يشير بعض السياسيين المعارضين على نحو متزايد بأصابع الاتهام لآفاد بسبب الافتقار للاستعداد.

وأقر تقرير لآفاد بشأن استجابتها لزلزال أضعف بكثير بلغت قوته 5.9 درجة في شمال غرب تركيا في نوفمبر، بأن مركباتها ومواردها غير كافية لمواجهة كارثة أكبر.

وأصيب في ذاك الزلزال 98 شخصًا لكنه لم يسفر عن وفيات.

ووجد التقرير أن آفاد وجدت صعوبة في العثور على الأشخاص المناسبين للتعامل مع تبعات زلزال 23 نوفمبر، وكان التنسيق المحلي ضعيفًا ولم يكن المسؤولون على علم كامل بخطة الطوارئ.

وافتقر فريق مرتجل من 300 معلم وإمام إلى الخبرة وارتكب أخطاء في تقييم الأضرار.

وذكر التقرير أن مجموعات الكوارث لم تكن مستعدة، واختيرت مراكز آفاد بشكل خاطئ، ولم يكن هناك تنسيق وتعاون كافيان بين المؤسسات.

وأشار إلى الحاجة لمزيد من التدريبات للاستعداد للكوارث.

تحسين استجابة تركيا للكوارث

في إشارة إلى التقرير، قال كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، إن الأكثر ضررًا من قوة الزلزال الذي وقع الأسبوع الماضي هو الافتقار إلى التنسيق والتخطيط وانعدم الكفاءة.

ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للتعليق على الخطوات التي جرى اتخاذها في أعقاب التقرير.

وقال وزير الداخلية سليمان صويلو إنه أمر بإعداد التقرير تحديدًا من أجل تحسين استجابة تركيا للكوارث.

وقال يوم الجمعة: استغلال الأمر وانتزاع منفعة سياسية منه يخلق ضررًا أكبر من الضرر الناتج عن الزلزال.

وتقلصت ميزانية آفاد لعام 2023 بمقدار الثلث لتبلغ 8.08 مليار ليرة 429 مليون دولار، من 12.16 مليار ليرة عام 2022.

وفي الوقت نفسه، جرى تعزيز ميزانيات الهيئات التي تساعد في تنسيقها مثل الشرطة وخفر السواحل.

دور الجيش

بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016، شدد أردوغان قبضته على السياسات الاقتصادية والخارجية والدفاعية.

واعتقلت الحكومة آلاف الأشخاص وطردت عشرات الآلاف من وظائف حكومية بتهم الارتباط بحركة فتح الله كولن التي اتهمتها الحكومة بتدبير الانقلاب.

وحتى عام 2018، كانت آفاد تخضع لمكتب رئيس الوزراء. لكن بعد أن تحولت تركيا إلى نظام رئاسي مركزي وفي ظل تولي أردوغان منصب رئيس الدولة، أصبحت آفاد تحت إشراف وزارة الداخلية التي تقدم تقاريرها إلى الرئاسة.

وقال مؤسس جمعية البحث والإنقاذ التركية أكوت إن الجيش لم يستجب بسرعة كافية لكارثة الأسبوع الماضي لأنه كان بحاجة إلى إجازة مدنية لحشد القوى البشرية.

وأضاف: في مثل هذه الأحداث الهائلة، من الضروري بذل جهد جماعي.. الآن تقع المسؤولية فيما يبدو على عاتق آفاد، لكنها بالطبع غير مستعدة.

وأحالت وزارة الدفاع الأسئلة إلى وزارة الداخلية.

وفي عام 2010، في محاولة لتقليص نفوذ الجيش التركي القوي، ألغت حكومة أردوغان بروتوكولا يسمح للجيش بإجراء عمليات داخلية في ظروف معينة دون موافقة مدنية.

وقال وزير الدفاع خلوصي أكار في بيان إن الجنود أقاموا مراكز طوارئ في جنوب تركيا في غضون ساعة من وقوع الزلزال، وزادت أعدادهم إلى أكثر من 25 ألفا بحلول يوم السبت.

فشل آفاد الذريع

يتقاطع في تركيا خطان رئيسيان من خطوط الصدع واعتاد الأتراك على الهزات المرعبة. لكنهم كانوا يرون عموما أن استجابة الدولة للطوارئ فعالة.

وقالت إحدى الممرضات، التي طلبت عدم نشر اسمها خوفًا من طردها من أعمال الإغاثة، إنها كانت مستعدة للإسراع إلى منطقة الزلزال يوم الإثنين لكنها اضطرت إلى انتظار أوامر من آفاد لم تصل إلا بعد 40 ساعة.

وحين وصلت إلى هاتاي، المنطقة الأكثر تضررًا، وجدت مستشفى ميدانيًا بدون مياه أو كهرباء أو مراحيض متنقلة ويقع بعيدًا جدًا عن مدينة أنطاكية ولا يمكن للكثيرين الوصول إليه.

وقالت إنها سارعت بالمشاركة في مواجهة كل كارثة تركية كبرى في السنوات الخمس والعشرين الماضية بما في ذلك زلزال 1999 الذي أودى بحياة أكثر من 17 ألف شخص لكنها أصيبت بصدمة من الاستجابة لكارثة الأسبوع الماضي. وقالت: لا أعرف سببًا لفشل آفاد الذريع.